عبد السلام الفقهي
( هوامش من سيرة الهرم ) عنوان مقال لصاحبنا تنتظم عباراته القيمة لتقول عن من وصفه بالهرم وهو كذلك الكبير علي مصطفى المصراتي حكي فيه :
تمكن الكاتب علي مصطفى المصراتي خلال مسيرته الادبية الحافلة من نحت بطاقة له على جدار فن القصة، وكون أسلوبه الساخر الذي عرف به وشكل له هويته الخاصة ، والقالب العام لأعماله يتبنى لعبة الاستدراج والمشاكسة لشخوصه بغية كشف ما يختفي في اعماقها من فضول .
هو صاحب المرآة والصورة الذي لم يكتب فيه نفسه بل عرفه بأن محتواه هوامش من ذاكرة النص الليبي ليذكر بين طياته مجموعة قراءات انطباعية عن أعمال كتاب ليبيين في مجالات الكتابة الشتى ( شعرا . قصة . رواية . ومقال … ) راغبا بكل حبية المبدع الصادق مع نفسه وغيره توثيق أثر بعض من كتابات الرواد في المشهد الإبداعي الأدبي الليبي .. إنه صاحب الروح الخفيفة على الجميع المتواجد في جل المناسبات الأدبية الفاخمة مقدرا كتابات الصحب والزملاء يحتفي بالفن التشكيلي عبر مقابلات دسمة مع الفنانين أثناء أو بعد معارضهم أو مهرجانات ثقافية شاملة الأدب والفنون .. ينتقد بحرفية كتبا بمشارب مختلفة حظت بها المكتبة الثقافية الليبية وخصه المبدعون بها كهدية قيمة راغبين أن يكتبهم عبر ماسيقرأ لما عرف به بينهم ” ناقد انطباعي صادق الرؤى بعيدا عن الهدم والعبث بنص غيره محترما الضعيف منها بتقديم مايجب من تبيان نقاط الضعف والهنات كما مقدرا القوي المكتمل بالإشادة وتبيان الصورة واضحة فيها .
إنه الصديق الصحفي والكاتب المبدع عبدالسلام حسن الفقهي المولود عام 1974 في قرية القداحية تحصل على بكالوريوس علوم جيوفيزيائية ، من جامعة طرابلس ( الفاتح سابقا ) .. ثم في العام 2003 مارس مهنة الصحافة فكان محررا بصحيفة الشمس .. بعد عام من عمله هناك اقترب أكثر من الروائي خليفة حسين مصطفى إذ كان رحمه الله مشرف الملف الثقافي آنذاك لصحيفة الشمس ليقترب الفقهي أكثر من المجالات الأدبية والأدباء ومشاغل الثقافة الكثيرة في بلادنا ويتولى برعاية خليفة حسين مصطفى مهام نائب رئيس القسم الثقافي ثم مشرفا عليه.

تدرج الفقهي في مجال الصحافة من محرر إلى متخصص في التحرير الأدبي التي لازمته طيلة حياته الوظيفية أمد الله في عمره ليستمر .. حتى أصبح باقتداراته :
رئيس القسم الثقافي بصحيفة الفجر ..
مدير تحرير مجلة الملتقى ..
رئيس القسم الثقافي بصحيفة أويا ..
مشرف الصفحة الثقافية بصحيفة الرواسي ..
مشرف صفحة ( مكتبة ) بصحيفة الشروق الليبية ..
منسق تحرير مجلة ثقافة ..
مدير تحرير صحيفة البلاد ..
صاحب المسيرة الفاخمة بالعطاءات الإبداعية برز كمهتم بالكتابة عن نتاج المبدعين في المجال الأدبي والفن التشكيلي ، ومتابعاته الدقيقة للمشهد الثقافي الليبي عبر الخبر والاستطلاع والحوار أجريت معه لعمق آرائه فيما اختص من كتابات أدبية عديد الحوارات عبر صحيفة العرب والصباح الليبية وكثير الصحف العربية ولقاءات في الفضائيات الليبية والإذاعات المسموعة .. ولديه مساهمات مهمة بقراءات عن بعض الكتاب بنادي القصة لرابطة الأدباء والكتاب حيث من بعض ما قدم :
_ قراءة عن الصحافة الإلكترونية ساهمت في مؤتمر حرية الصحافة بالدار البيضاء سنة 2007.
_ قراءة في ندوة حرية التعبير بسرت 2009.


** مايجذب في كتابات الفقهي النقدية أنها سرديات تبدأ وكأنها قصة محبوكة الوصف ثم العقدة فالخاتمة بمقوماتها المتكاملة .. بل عبرها ينوه عن المثالب والعثرات الحياتية التي تواجه الإنسان بشكل عام في مجتمعه بوخزة حانية يضع فقط سن القلم عند موطن الخلل .. فيجد القارئ نفسه منشدا لاستكمال مابدأ حتى النهاية دون شعور بملل تكرار أو كثير وصف أو ضعف ينتاب الجمل بين قوة .. ربما من يقرأ سيرته بيننا الآن سيدرك ما استشففته عنه في حكايته التي اقتطفت بدايتها وقد كتبها ذات لقاء مع الشاعر الكبير مفتاح العماري كتب الفقهي :
جمعتني الصدفة ذات صباح في مقهى مستشفى طرابلس الطبي بالشاعر مفتاح العماري، وكنت آنذاك مشغولًا بالبحث عن «صبغة» التصوير الطبي، وبدوره كان العماري يشاركني ذات المعضلة، ما جرنا للحديث عن الوضع المزري للمستشفيات والنجوم التي أصبحت أقرب إلينا من حبة الأسبرين، وكان لابد للحوار مع العماري أن يتجه صوب مفازه الأبدي الشعر، وبدت النقلة فلكية من الصبغة إلى المتنبي والشنفري ورامبو وبودلير، عبر وثبة من كتاب أحمله معي لـ«تودوروف» عن الأدب، برع الشاعر في استخدامه منصة لحديثه، وتصفحه مبتسمًا ومستمتعًا بشرب الكابتشينو وكأنما هو من ذلك يستلذ ويتقوى بتجاهله الساخر لآلامه، حتى لتبدو هامشية أمام فضائه القصيدة التي تتحول فيها فاتورة الوجع إلى لذة حد الجنون .. قال لي العماري في النهاية : «أنا أحب القراءة لتودوروف والشكلانيين الروس»، غادرت المكان وظللت هذه اللحظات معلقة في ذاكرتي عن شاعر لا تبدو طبيعة تكوينه الأدبي منتمية لاتجاه يساري أوغيره برغم اشاراته المذكورة، وهو ما تترجمه نصوصه ومقالاته وتجربته في الكتابة بشكل عام .
المخيلة الشعرية لدى العماري اتجهت إلى اقتفاء أثر الوجع الداخلي ليتحول في عصارته النهائية إلى اغتراب آسر، وذاك طابع في جل دواوينه الشعرية والنثرية، فقد بنى النص على إيقاع اغترابي اعتزالي حزين تتصدره استعارة تراثية لها دلالتها في الذاكرة الشعرية العربية، كالشنفري وحنظلة والهمذاني …. ويبقى هذا التصدير له ارتباط بالإيقاع العام للحالة الشعرية في مكان وزمان ما، وان كان الاستعانة بالقصص والامثلة والحالات الخاصة يولد قدرتنا على التواصل .
جميل أن يحتفى بالكتاب من قبل المختصين في المجال الأدبي ومن يعون قدرات صاحب الكتاب ومدى تأثير نتاجه في الوسط الثقافي ..
هذا ماحدث مع الإصدار النقدي الأول للصحفي الناقد الانطباعي عبد السلام الفقهي مع كتابه الصادر عن دار السراج للنشر والتوزيع في العام 2023 م بعنوان
«المرآة والصورة.. هوامش من ذاكرة النص الليبي».
تخصص بالنقد الأدبي بهيئة نصوص توثيقية تحليلية في أدب نخبة من الكتاب الليبيين المبرزين في المشهد الأدبي الليبي منذ سبعينات القرن الماضي حتى كتاب القرن الواحد والعشرين .. وشارك الكتاب الذي تزين بلوحة أنيقة ناصعة الألوان للفنان التشكيلي عدنان معيتيق .. شارك بالمعرض الدولي للكتاب في القاهرة يناير/ 2024م وتخصص النقد الانطباعي الذي أعده باحترافية عبدالسلام الفقهي في كتابه ليضم مجموعة قراءات انطباعية عن أعمال كتاب ليبيين في مجال الرواية والشعر والقصة وفن المقالة.


** فرأى الأديب عبدالله بوسعيدة في الكتاب :
«هذا من نحتاجه في الحركة الأدبية التي أخذت شيئا من الصحوة.. فنحتاج إلى أن يصاحبها أدوات تقويم ونقد»
** أما الأستاذ الهادي شليق فعبر عن الفقهي ذاتيا والإصدار الأول النقدي له بقوله :
«الفقهي يملك اللغة وجمال الأسلوب وحلاوة المفردة وتغطياته للمناشط الثقافية تشكل له رصيدا يمكن أن يصدر في كتاب.. نثق بأن هذا الإصدار لن يكون يتيما وسيكون له أخوة يشدون عضده»
** قيصر الصحافة الليبية الأستاذ محمود البوسيفي كتب مباركا للفقهي « ألف ألف مبروك.. هذا من الأخبار الطيبة».
هذا العام 2025 م شهد ولادة مباركة لجسور الفقهي .. التي أعلن عنها هو قائلا :
«جسور- أسئلة في الأدب الليبي» صدر لي عن دار نشر «السراج» للنشر والتوزيع .. وهذا الكتاب يضم مجموعة من الحوارات واللقاءات في مجال (الرواية، القصة، المسرح، الشعر، التوثيق، الترجمة، النقد) يمكن اعتباره بطاقة شخصية لجانب من تاريخ المشهد الثقافي الليبي والتعريف بمنجز أصحابه ودورهم في تأثيث هذا الفضاء …… إذ كان لا بد لي من التفكير بصوت عال، وطرح بعض من تصوراتي للكتاب زملاء المهنة، وشكرهم على الملاحظات والتقويمات ووجهات النظر فيما يشبه ورشة مصغرة ضمت كلا من الكتاب الصحفيين مع حفظ الألقاب (بشير زعبيه، محمود البوسيفي، حسين المزداوي، صالح قادربوه، عبدالسلام الغرياني، زكريا العنقودي) والشكر موصول أيضا للأستاذ خليفة العجمي . الأمر الذي أفادني كثيرا في الحصول على صيغة مقبولة للموضوعات والعناوين وفهرسها العام».

كيف لا يحتفي المبدعون بمن يقرأهم بتمعن متخذا من جماليات وفنيات التحرير الأدبي مداخل عديدة يبهر بها القارئ ثم يأخذه معه للأعماق معرفا بالكاتب والكتاب أو النص بشكل غير مكرر .. وختاما كي يطلع القارئ لسيرة عبدالسلام الفقهي هنا مقتربا من كتاباته أقتطع جزءا من مقال له نشر بموقع بلد الطيوب عنوانه *(( فن الفوتوغراف.. و الوجه الآخر للصورة )* ستلاحظون ما نوهته عن طريقته السلسة الجذابة مع بدايات مقالاته التي تسرق اللب والفؤاد ليستكمل حتى نقطة آخيرة في النهاية في هذه الصورة المقالية كتب صاحب المسيرة :
ربما يكون فنّ التصوير الفوتوغرافي في ليبيا لازال خاضعًا لمغامرة التجريب، إلا أن ذلك لايعني عدم وصول بعض الفنانين الى المستوى الاحترافي أُسوة بما موجود في مدارس التصوير الحديثة، وبالنظر إلى بعض تلك الأعمال نلحظ التمازج بين الفوتوغراف والتشكيل في الصورة، ما يعكس حالة التشبع للفنان من الأول لينتقل إلى الأخير والعكس، كما أن خوض فنانو الفوتوغراف في تفاصيل تقنية الكاميرا لم يمنع أن تظل الطبيعة هي الملمح الأبرز، ومنتج الواقعية الملهم، برغم كل مغامرات التجريد والبحث عن عوالم افتراضية أوإيحائية كالفن المفاهيمي مثلًا.

بالاقتراب من فن الفوتوغراف الليبي كمثال يعاين أبعاده التجريبية، نتوقف عند أعمال الفنانين أحمد السيفاو وأحمد الترهوني، وإن كانت وجهة نظر كل منهما تختلف في القواعد التي يجب اعتمادها كمنطلق للفنان المحترف، إلا أن الإطار العام يبقى مشتملًا على العديد من نقاط التقاطع التي تعزز قدرة استيعاب الفضاء الفوتوغرافي لمفردات الفن البصري كيفما كان اتجاهه.
وبالإمكان القول في محطة أولى أن الفنان أحمد السيفاو يعد من رواد فن التصوير الفوتوغرافي في المشهد الفوتوغرافي الليبي الحديث، فتجربته التي تزيد على 35 سنة كفيلة بأن تضعه في قلب هذا الفضاء.
وشكلت الهواية والدراسة والممارسة عند السيفاو منعطفًا مفصليًا مكنته من امتلاك حس معرفي لاكتشاف العوالم الخفية للعدسة، كما أتيحت له الفرصة في بداية سبعينيات القرن الماضي الاطلاع على تفاصيل التصوير السينيمائي والتقاط سر الكاميرا حيث مثل له «كارلو كارليني» مدير التصوير في السينما الايطالية آنذاك، تجربة فريدة استطاع من خلالها محاورة العدسة عن قرب والاستزادة من معرفة الآخر عن هذا الفن.
ويضاف إلى ذلك بعد عودته إلى ليبيا تتلمذه على يد فنانين رواد في مجال النحت والرسم، كالفنان علي قانة، وعلي مصطفى رمضان، وهو ما مزج في ذهن الفنان العالمي بالمحلي وتتضح في زوايا الصورة لديه، الرغبة الملحة في التجريب المستمر بحثًا عن الخصوصية والتجديد.
وببلوغه العقد الثاني من العمر شهد الفنان الشاب مولد أول صورة له العام 1972شجعته لخوض تجربته مع الأبيض والأسود اللذان يمثلان لديه الاختبار الحقيقي لمحترف الفوتوغراف، فالألوان كانت ولازالت تمثل لديه فكرة غير مستساغة، والتفافًا غير مقنع وتزييفًا لعين الواقع، الواقع الماثل في لونين لاغير فهو يقول «لامجال للون الرمادي، الحياة إما أبيض أوأسود»، والألوان بحسب تعبيره أيضًا تضفي على العين بريقًا كاذبًا يحجب أفق النص الضوئي النبيل، ويكرس للعنة اسمها التلميع والمجاملة.
