أثار المقال الافتتاحي الذي نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية موجة من الانتقادات الواسعة ضد الاتفاقية البريطانية الفرنسية المبرمة في يوليو الماضي، والتي تهدف إلى الحد من العبور غير النظامي عبر مضيق المانش، حيث وصفها ناشطون ومواطنون بأنها تمثل “مساومة وقحة على الأرواح البشرية” وتقويضًا لحق اللجوء.
وفي المقال الذي شارك في توقيعه مسؤولون من جمعيات فرنسية وبريطانية معنية بحقوق المهاجرين، اعتبر الموقعون أن الاتفاقية الجديدة، التي بدأ تنفيذها رسميًا في السادس من أغسطس، “تتحدى القانون الدولي وحقوق الإنسان” عبر تحويل طلبات اللجوء إلى “عملية انتقائية غير إنسانية”، فيما بدأت عمليات الترحيل الأولى في سبتمبر الماضي.
وقالت ستيلا بوسك، مديرة التواصل والمتحدثة باسم جمعية “أوبيرج دي ميغران” العاملة في شمال فرنسا، في مقابلة مع موقع مهاجرنيوز، إن الاتفاقية “تنتهك جوهر حق اللجوء الذي يستند إلى تقييم فردي لكل حالة”، مضيفةً أن تحويل هذا الحق إلى “نظام حصص وجنسيات محددة” يُفرغه من مضمونه ويجعل منه “يانصيبًا سياسيًا”.

وأوضحت بوسك أن الاتفاقية تُجرّم عبور المانش على متن القوارب الصغيرة، وتُعامل المهاجرين القادمين إلى المملكة المتحدة بهذه الطريقة كمخالفين للقانون، مشيرة إلى أن “70% من طلبات اللجوء تُقبل عادةً بعد وصول أصحابها إلى الأراضي البريطانية، لكنهم اليوم يُرحّلون فورًا إلى فرنسا دون النظر في ملفاتهم”.
وأكدت الناشطة أن الاتفاقية “غير قابلة للتنفيذ” لأن المهاجرين سيواصلون محاولاتهم للعبور رغم مخاطر الاحتجاز أو الترحيل، مضيفةً أن “الترحيل لا يوقف الهجرة، بل يدفع الناس إلى المجازفة مجددًا بحياتهم”.
وانتقدت بوسك الشروط التي وضعتها وزارة الداخلية البريطانية لقبول طلبات اللجوء، من بينها شرط عدم الدخول بطرق غير قانونية أو عبر قارب صغير، معتبرة أن هذه المعايير “تتناقض كليًا مع واقع المهاجرين الذين يفرّون من الاضطهاد والمخاطر”.

ووصف الناشطون الاتفاقية بأنها “صفقة سياسية” أكثر من كونها خطة لإدارة الهجرة، معتبرين أنها تُستخدم لطمأنة الرأي العام في كلا البلدين، إذ يسعى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى تعزيز صورته داخليًا، بينما يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إظهار التعاون مقابل تمويل بريطاني لإدارة الحدود.
وقالت بوسك إن “المهاجرين أصبحوا بموجب هذه الاتفاقية يُعامَلون كأحجار شطرنج تُبادَل بين دولتين”، مؤكدة أن ذلك “ينزع عنهم إنسانيتهم ويحوّل مصائرهم إلى أدوات تفاوض سياسي”.
وختمت الجمعيات الموقعة على المقال انتقاداتها بالتنديد بما وصفته بـ”النفاق السياسي” الذي يستغل معاناة المهاجرين لتحقيق مكاسب دبلوماسية، مؤكدة أن سياسات الردع المستمرة منذ 35 عامًا “لم تُقلل من محاولات العبور، بل زادت من المآسي والوفيات في المانش”.
