شهدت الساحة السياسية الليبية تباينًا واسعًا في المواقف تجاه إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا هانا تيتيه أمام مجلس الأمن، بين مرحب بمضامينها ومندد بما اعتبره تجاوزا للسيادة الوطنية وتدخلاً مباشرًا في الشؤون الداخلية.
المنفي يجدد الالتزام بالشراكة مع الأمم المتحدة
من جانبه رحّب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بإحاطة تيتيه، مؤكدًا التزام المجلس بالشراكة والتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة ومؤسساتها. وشدّد على استمرار العمل من أجل تعزيز الاستقرار والتنسيق الأمني كشرط أساسي للتقدم في المسار السياسي والتنمية المستدامة.
وأكد المنفي أن الميزانية الموحّدة تمثل السبيل الوحيد لتعزيز الشفافية والتخطيط الاستراتيجي، مضيفًا أن المجلس سيواصل التعاون مع البعثة الأممية والمؤسسات الدولية في ملفات مكافحة الفساد والتهريب وغسيل الأموال، إلى جانب المساءلة والتدقيق المالي.
الحكومة الليبية تتهم البعثة بالانحراف عن مهامها
من جانبه، وجّه رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد انتقادات حادة للمبعوثة الأممية، معتبرًا أن إحاطتها تضمنت “مغالطات خطيرة وتدخلات سافرة” في الشأن الليبي.
واتهم حماد البعثة بمحاولة فرض آليات لتشكيل مجلس مفوضية الانتخابات وفق رؤيتها الخاصة، وبأنها تجاوزت حدود مهامها وتبنت خطابًا منحازًا يخالف الحقائق.
وقال إن تيتيه “ادعت زورًا” أنها أجرت لقاءات مع جميع الأطراف الليبية، بينما لم يحدث أي تواصل مع حكومته.
وأضاف حماد أن البعثة “نصبت نفسها وصيًا على التشريعات الدستورية” وتدخلت في شؤون المصرف المركزي والتعيينات داخل مؤسسات إنفاذ القانون، واصفًا ذلك بـ”تعدٍ غير مسبوق على اختصاصات السلطات الوطنية الشرعية”.
وأشار إلى أن البعثة لوّحت بـ”نهج بديل” لتجاوز المؤسسات الليبية المنتخبة، في ما اعتبره تهديدًا مباشرًا للسيادة الوطنية. وأكد أن حكومته “ستواجه بحزم أي محاولة لفرض وصاية خارجية”، مشددًا على أن احترام ليبيا للمنظمات الدولية يقوم على مبدأ الندية والاحترام المتبادل.
كما أعلن حماد دعمه لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إعادة هيكلة البعثة، بما في ذلك “تغيير العاملين وإعادة التوازن لوجودها الجغرافي”، مؤكدًا أهمية استمرار نشاطها في الشرق والجنوب لضمان تمثيل عادل لكل المناطق.
انتقادات من مجلس النواب
وفي السياق ذاته، قال عضو مجلس النواب علي الصول إن جميع المبعوثين الأمميين “فشلوا في حل الأزمة الليبية” بسبب ما وصفه بـ”الضغوط الأمريكية والبريطانية التي تفرض سيناريوهاتها الخاصة على المشهد الليبي”.
وأضاف أن المبعوثة تيتيه “لن تأتي بجديد”، متهمًا مجلس الدولة وحكومة الوحدة بـ”عرقلة خارطة الطريق الأممية عبر شروط غير منصوص عليها في الاتفاق السياسي أو مخرجات مؤتمر جنيف”.
مواقف داعمة من التجمعات السياسية
في المقابل، رحّب تجمع الأحزاب الليبية بإحاطة المبعوثة الأممية، مؤكدًا دعمه الكامل لجهود الأمم المتحدة في تيسير الحوار بين مختلف الأطراف.
وشدّد التجمع في بيان له على أهمية إشراك الأحزاب السياسية كطرف أساسي في أي تسوية قادمة لضمان المشاركة الواسعة في بناء المسار الديمقراطي. كما دعا جميع القوى الوطنية إلى التفاعل الإيجابي مع مبادرات البعثة الأممية وتغليب المصلحة الوطنية لتحقيق سلام دائم واستقرار شامل.
انتقادات من حراك مدني في مصراتة
من جانبه، قال مؤسس “حراك مصراتة ضد الظلم” سالم كرواد إن إحاطة تيتيه “لم تلبِّ تطلعات الشعب الليبي وافتقرت للجدية”، مشيرًا إلى أنها أعادت للأذهان أداء المبعوث الأسبق عبد الله باتيلي الذي “أطال عمر الأزمة دون تحقيق أي تقدم فعلي”.
وبينما تتباين المواقف بين مؤسسات الشرق والغرب والقوى السياسية، يبقى المشهد الليبي أسيرًا للتجاذبات حول دور البعثة الأممية وحدود تدخلها، في وقت تتزايد فيه الدعوات لإعادة صياغة مهمتها بما يعيد الثقة بين الأطراف ويقرّب البلاد من استحقاقها الانتخابي المؤجل.
