بيانات النيابة العامة من يناير حتى منتصف أكتوبر 2025
شهد العام 2025 تكشّف واحدة من أكبر موجات الفساد المالي في تاريخ القطاع المصرفي الليبي، حيث تصاعدت قضايا الاختلاس، والتزوير، وسوء الإدارة، والإهمال الجسيم داخل فروع المصارف العامة والخاصة على حد سواء.
وتظهر التحقيقات التي رصدتها المنصة من بيانات النيابة العامة مدى عمق التجاوزات الإدارية والمالية التي مستّ المال العام، وهددت الثقة في النظام المصرفي المحلي، وسط مطالب متزايدة بإصلاحات جذرية في الرقابة الداخلية وإدارة الاعتمادات.
خريطة الفساد المصرفي ..عام من الإدانات
توزعت قضايا الفساد خلال عام 2025 على معظم المصارف الكبرى في ليبيا، منها:
مصرف الصحاري، مصرف الجمهورية، المصرف التجاري الوطني، مصرف الأمان، مصرف الوحدة، مصرف شمال أفريقيا، والمصرف الزراعي.
وشملت التهم الرئيسية:
الاختلاس والاستيلاء على المال العام
التزوير في القيود المحاسبية والمستندات
منح قروض وتسهيلات ائتمانية مخالفة للقواعد القانونية
الاتجار بالنقد الأجنبي عبر اعتمادات وهمية
تسجيل أرباح غير حقيقية وإخفاء خسائر مالية
أبرز القضايا خلال العام من يناير حتى منتصف أكتوبر
مصرف الصحاري
يُعدّ مصرف الصحاري الأكثر تورطًا في قضايا الفساد المالي خلال العام.
أغسطس: النيابة العامة ترفع الدعوى ضد مساعد المدير العام للشؤون المالية ومسؤولي المحاسبة والمراجعة، بعد اكتشاف تسجيل أرباح غير حقيقية بقيمة 15 مليون دينار.
يوليو: محكمة طرابلس تدين ثلاثة مسؤولين سابقين بتسهيل قروض مخالفة قبل 2011، وتلزمهم برد 300 مليون دينار.
مارس: محكمة الخمس تدين مدير فرع سابق و3 موظفين باختلاس 1.5 مليون دينار.
فبراير: إدانات لمديري إدارة الاعتمادات المستندية عام 2015 بعد تمويل شركات غير مسجلة، بغرض الاتجار في النقد الأجنبي، مع إلزامهم برد 53 مليون دينار.
مصرف الجمهورية
شهد المصرف سلسلة من الأحكام الصارمة:
أبريل: إدانة نائب مدير فرع صرمان و8 موظفين باختلاس 12 مليون دينار، والحكم على المتهم الرئيسي بالسجن 12 سنة ومصادرة ممتلكاته.
يونيو: إدانة مدير فرع الرقدالين وموظف مالي بتزوير صك مصرفي والاستيلاء على 1.5 مليون دينار.
أكتوبر: حبس مدير فرع الأكاديمية بعد استيلائه على 904 ألف دينار باستخدام وثائق مزورة.
المصرف التجاري الوطني
أبريل: محكمة البيضاء تدين 6 موظفين منحوا قروضاً مخالفة للقانون، وتفرض عليهم أحكاماً بالسجن تصل إلى 4 سنوات.
اليوم ذاته: محكمة طرابلس تدين 11 موظفاً بوكالة مستشفى طرابلس المركزي باختلاس 29 مليون دينار، وتغريمهم 58 مليون دينار، مع مصادرة عقارات فاخرة في طرابلس.
فبراير: إدانة موظفين بفرع الظهرة بتسهيل عملية استيلاء على مليون دينار.
مصرف الأمان للتجارة والاستثمار
أكتوبر: حبس مدير فرع إجدابيا بعد سحب 1.06 مليون دينار وتسليمها لأشخاص غرباء لغرض الاتجار في النقد الأجنبي.
فبراير: الحكم على 3 موظفين بالسجن 6 سنوات بعد تزوير بطاقات “فيزا” وسحب مخصصات نقدية باسم عملاء دون علمهم.
المصرف الزراعي
يوليو: حبس مدير فرع العزيزية ومسؤول قانوني بعد منح قرض بقيمة 2.7 مليون دينار دون ضمانات وتزوير بيانات المستفيد.
أبريل: محكمة الجنايات تدين مدير فرع قصر بن غشير ومسؤول الائتمان بالسجن بين 3 و4 سنوات بعد منح قروض غير مشروعة.
مصرف شمال أفريقيا
مايو: النيابة تحبس مدير فرع مزدة بعد تزوير بيانات حسابات وتحويل 12.7 مليون دينار لحسابه الشخصي.
مصرف الوحدة
يناير: حبس موظف بالإدارة العامة بعد استيلائه على 100 ألف دينار من حساب زبون.
تحليل البيانات التي رصدتها المنصة عن بيانات النيابة العامة
أظهر تحليل القضايا المصرفية التي تناولتها النيابة العامة خلال عام 2025 أن الفساد في القطاع المالي الليبي يتوزع على عدة أنماط مترابطة في أسلوبها وغاياتها. فقد برز التزوير في القيود والبيانات المحاسبية كأحد أبرز المظاهر، حيث تم العبث بالأرصدة والمعاملات المالية في عدد من الفروع، من بينها مصرف شمال أفريقيا ومصرف الأمان، مما تسبب في أضرار تجاوزت أربعة عشر مليون دينار.
أما القروض والتسهيلات الائتمانية المخالفة للضوابط القانونية فكانت من أكثر الأبواب التي نُهب من خلالها المال العام، إذ أُقرت اعتمادات ضخمة دون ضمانات حقيقية في المصرف التجاري الوطني والمصرف الزراعي، وقدرت الخسائر الناتجة عنها بأكثر من ثلاثين مليون دينار.
وفي مستوى آخر، اتخذ الاتجار في النقد الأجنبي عبر اعتمادات مستندية وهمية شكلاً منظمًا من أشكال الإثراء غير المشروع، كما كشفت تحقيقات مصرف الصحاري التي بلغت قيمة التجاوزات فيها نحو ثلاثة وخمسين مليون دينار. ولم يغب الاختلاس المباشر من الخزائن المصرفية عن المشهد، إذ تورط موظفون ومسؤولون في مصرفي الجمهورية والصحاري في سحب أموال عامة بطرق احتيالية، تجاوزت قيمتها عشرين مليون دينار.
كما برزت حالات تسجيل أرباح وهمية بغرض إخفاء الخسائر الحقيقية، في محاولة لتضليل الجهات الرقابية، وهي ممارسات تركزت في مصرف الصحاري وأدت إلى خسائر قُدّرت بخمسة عشر مليون دينار. وتعكس هذه الأنماط في مجموعها صورة واضحة عن طبيعة الفساد المصرفي في ليبيا، الذي لا يقتصر على أفعال معزولة، بل يتجلى في منظومة إدارية ومالية هشّة سهّلت استغلال الثغرات القانونية لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب المال العام.
أظهرت النيابة العامة في تقاريرها صرامة واضحة في ملاحقة المتورطين، سواء عبر أوامر الحبس الاحتياطي أو الإحالة إلى المحاكم الجنائية.
كما أصدر القضاء أحكاماً تراوحت بين السجن من سنة إلى ثلاث عشرة سنة، وغرامات تجاوزت ثمانين مليون دينار، إضافة إلى مصادرة ممتلكات وعقارات تم شراؤها بأموال غير مشروعة.
تداعيات الأزمة وثقة المواطنين
أثارت هذه القضايا المتتالية مخاوف حقيقية لدى المواطنين من ضعف الرقابة على العمليات المصرفية، خصوصًا في ظل استمرار الفوضى الإدارية وغياب نظام موحد للتدقيق الداخلي في فروع المصارف.
ويرى خبراء ماليون أن الفساد المصرفي أصبح أحد أبرز التحديات أمام الاستقرار الاقتصادي في ليبيا، مطالبين بتفعيل دور مصرف ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد لضمان الشفافية والمساءلة.
عام 2025 مثّل نقطة تحول في كشف الفساد البنكي في ليبيا، لكنه في الوقت ذاته أظهر مدى تعقّد الشبكات الإدارية والمالية التي تعمل داخل المصارف.
ومع استمرار النيابة العامة في نشر بياناتها الدورية، تتكشف صورة أوضح عن منظومة مصرفية مثقلة بالثغرات، تحتاج إلى إصلاح جذري وهيكلة شاملة تضمن حماية المال العام واستعادة ثقة المواطن في المؤسسات المالية.
هذه الأزمة لم يقابلها أي ردود أفعال من قبل إدارة بنك ليبيا المركزي الذي فضل الصمت أمام الكشف عن ملفات الفساد المصرفي لدى مكتب النائب العام، وما يرد المركزي على التحقيقات وما الإجراءات التي سيعمل بها تجاه هذا الملف.
