أعلن الدكتور الناكوع، مدير إدارة البحوث والدراسات الأثرية بمكتب الإعلام بمركز البحوث والدراسات الأثرية والتاريخية بجامعة صبراتة، عن اختتام الفريق البحثي التابع لجهاز إدارة المدن التاريخية بطرابلس لأعماله الميدانية في بلدية الرياينة، والتي استمرت ثلاثة أيام خلال الفترة من 12 إلى 14 أكتوبر 2025، خُصصت لتوثيق المواقع الأثرية وتحديد إحداثياتها وحدودها بدقة.
وأوضح الدكتور الناكوع في منشور عبر حسابه على فيسبوك تابعته المنصة أن الفريق تمكن من تسجيل جميع القرى التابعة للبلدية باستثناء قريتين، حالت ظروف الوقت دون استكمال العمل بهما، مؤكداً أنه سيتم استكمال توثيقهما قريباً وإلحاق ملفهما بالإدارة.
وأشاد الناكوع بجهود أعضاء الفريق البحثي وما أبدوه من مهنية عالية رغم صعوبة تضاريس بعض المواقع، موجهاً الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه المهمة، ومنهم الأستاذ عبدالله أبو عجيلة، والأستاذ هشام علي عياد، والحاج محمد القائدي الذي قدّم روايات وسرديات تاريخية أغنت النقاش وأضافت بعداً تحليلياً للمخرجات العلمية.
وأضاف الناكوع أن الفريق وقف على باحة مسجد الحاج علي، التي تضم بئرًا وماجناً، ويرقد فيها بعض من أوصوا بدفنهم هناك وسط ركام قرية شاخت وشاخ من حولها الزمن، مشيرًا إلى أن قرية المغاربة تحتفظ ببقايا من عمارةٍ متهدمة، تردد الروايات أنها بُنيت على “هنشير” قديم كان مأوى لقومٍ آخرين، وتنتشر فيها الدواميس والممرات الأرضية التي كانت النساء تستخدمها حفاظًا على الخصوصية، في مشهد يحاكي ما هو معروف في مدينة غدامس.
وأشار إلى أن العقيبة وأولاد ريان قريتان متجاورتان تفصل بينهما الشعاب، ما تزال بيوتهما قائمة رغم اندثار الحياة فيهما، وكانتا في الماضي سلة غذاء للمنطقة بفضل عيون المياه والجسور التي تروي مزارعهما، بينما تقابلهما جبال حجرية شامخة تشهد على عمارةٍ راسخة.
وتحدث الناكوع عن قرية القوايدة التي تمتاز بطراز معماري محلي فريد يمزج بين الجمال والتحصين، محاذيةً لقرية الحلابة التي تُعد من أجمل المواقع الواقعة على حافة الجبل والوديان، حيث وُجد بها قصر الصياح الذي كان يُستخدم لتخزين المؤن قبل أن يُدمّر في العهد العثماني، ولم يبقَ منه إلا المسجد القديم الذي رُمم حديثًا.
وأضاف أن الموقع يطل على عيون الماء والمدرجات الحجرية ومسالك الطرق القديمة، وما تزال بقايا الجدران والسقوف الطينية شاهدة على مهارة البنّائين الذين طوّعوا الطبيعة لتخدم احتياجاتهم.
كما أشار الناكوع إلى ملعب بدائي صنعه الأطفال في شعاب الشرقية بين قريتين خاليتين إلا من الأطلال، واصفًا المشهد بأنه “يبشر بولادة جيلٍ ينهض من بين أنقاض الماضي وينفض عن عمارة الأجداد غبار النسيان”.
وبيّن أن مسجد العقيبة يحمل نقشًا يُظهر تاريخ بنائه عام 1315 هجريًا (1897م)، فيما لا يزال مسجد أولاد عنان قائمًا رغم حالته المتدهورة، محتفظًا بأعمدته الحجرية وجذوع نخيله المقوسة وسقوفه الطينية التي تجسد فن العمارة الريفية القديمة.
وأشار الناكوع إلى أن قرية أولاد أبو سين المطلة على العين، لا تزال تحتفظ بمسجدها العتيق الذي توسع لاحقًا باستخدام أعمدة أيونية أعيد توظيفها من مبانٍ رومانية، وهي ظاهرة معروفة في العمارة الإسلامية الليبية، كما هو الحال في جامع أمسوفين بغريان وجامع الناقة ومراد آغا بطرابلس.
وفي أسفل المسجد العتيق بقرية القوايدة، رصد الفريق معصرة زيتٍ أثرية ما تزال أدواتها في مكانها، وكأنها أوقفت الزمن عند آخر موسم حصاد.
واختتم الناكوع تصريحه بالإشارة إلى قرية العين، التي تجمع بين الحجر والنخيل والماء في تناغم طبيعي نادر، إذ شُيدت بين الجبال كحصنٍ منيع، وتضم بيوتًا ومساجد ومعاصر لا تزال شاهدة على زمنٍ كان فيه الإنسان جزءًا من المكان، قبل أن يتحول إلى أثرٍ منسيٍّ وسط المراعي والخرائب.
وأكد أن ما تم توثيقه في الرياينة يُعد “صفحة جديدة في سجلّ الذاكرة الأثرية الليبية”، داعيًا إلى مزيدٍ من الدعم لحماية هذه المواقع وصونها من الاندثار.
واختتم الناكوع تصريحه بالتأكيد على أن العمل سيتواصل قريباً لاستكمال توثيق ما تبقّى من المواقع، في إطار الجهود الوطنية لحصر وتوثيق الموروث الأثري والتاريخي في مختلف مناطق ليبيا.
