على وقع الخلافات السياسية الداخلية، تعيش ليبيا مرحلة جديدة من التجاذبات الحادة، في وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى ما ستسفر عنه التحركات الداخلية والضغوط الدولية لإخراج البلاد من عنق الزجاجة. وبين الوعود بالإصلاح والواقع المتأزم، يظل مستقبل ليبيا معلقاً على خيط التوافق الوطني الغائب.
خطة أممية جديدة بخيارات أكثر صرامة
وفي محاولة جديدة لإحياء العملية السياسية ، طرحت المبعوثة الأممية الى ليبيا هانا تيتيه خريطة الطريق أمام مجلس الأمن الدولي ، تقوم على عدة مراحل أولها تكليف مجلسي النواب والدولة لإعادة تشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وحسم الإطارين الدستوري والقانوني للاستحقاق . لكن الخلافات الحادة بين المجلسين دفعت تيتيه هذه المرة إلى اعتماد لهجة أكثر صرامة ، والتلويح بخيارات بديلة.
وقال المتحدث بإسم مبادرة القوى الوطنية الليبية محمد شوبار في حديث للمنصة إن المجتمع الدولي يمتلك بدائل جاهزة لتجاوز مجلسي النواب والدولة في حال فشلهما في تنفيذ الخطوات الواردة في خارطة الطريق ، بل إنّ أي محاولة لطرح مبادرات موازية في هذا التوقيت حسب شوبار ستُعدّ في نظر المجتمع الدولي محاولة مكشوفة لإطالة عمر الأزمة وستعرّض القائمين عليها للمساءلة أمام القوانين الدولية والوطنية.
ووسط الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد أكد شوبار أن السبيل الوحيد لإنقاذ الوطن يتمثل في الدعم الكامل لخارطة الطريق الأممية باعتبارها الإطار العملي والواقعي الذي يحظى بإجماع دولي وإقليمي ، وأشار إلى أنّ المرحلة القادمة ستشهد الإعلان عن تشكيل قيادة وطنية قوية وموحدة بوجوه جديدة ، تحظى بدعم المجتمع الدولي لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واستعادة سيادة الدولة الليبية ووحدة أراضيها وفرض الأمن والاستقرار في كامل ربوع الوطن .
ويرى شوبار أن المطالب الشعبية باتت واضحة لا لبس فيها والمتمثلة في تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تهيئ المناخ الملائم لإجراء انتخابات وطنية نزيهة ، وأضاف “هذا ما يعمل عليه المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دعم الجهود الرامية لإطلاق مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا تبدأ بالإعلان عن الحل السياسي المنتظر .”
وفي المقابل اعتبر المحلل السياسي حسين المسلاتي أن المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، لم تطرح حتى الآن رؤيةً واضحةَ المعالم أو خطةً تنفيذيةً دقيقةً، بل اكتفت بإطار عام غامض تداخلت فيه الأولويات وغابت عنه آليات التنفيذ، لتبقى العملية السياسية تدور في حلقة مفرغة من الاجتماعات والتصريحات دون نتائج ملموسة. وقال المسلاتي إنه ورغم استمرار بعض الأطراف في الرهان على المسارات الأممية، فإن التجربة أثبتت أن الرهان على الخارج لم يعُد ينتج حلولاً مستدامة، فالمبادرات التي رُوِّج لها تحت عنوان «الملكية الوطنية» كانت في جوهرها صيغًا شكلية، تدار من خلف الكواليس وفق مصالح دولية لا تراعي تعقيدات المجتمع الليبي ولا خصوصيته التاريخية والاجتماعية.
حفتر يدعو إلى “ملكية ليبية كاملة”
في الوقت الذي يترقب فيه المشهد السياسي مصير خريطة الطريق التي طرحتها المبعوثة الأممية الى ليبيا هانا تيتيه ، جاءت دعوة القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر إلى مختلف مكونات المجتمع الليبي للانخراط في حراك وطني يُفضي إلى صياغة خارطة طريق واقعية تنبع من الداخل وتستند إلى مبدأ الملكية الليبية الكاملة للعملية السياسية.
تأتي هذه الدعوة وفق المسلاتي في وقت بالغ الحساسية، بعدما أخفقتِ المسارات الأممية والدولية المتعاقبة في تحقيق تسوية سياسية قابلة للتطبيق على الأرض.
واعتبر المسلاتي مبادرة القائد العام تصحيح لمسار العملية السياسية وإعادة توجيه بوصلة الحل نحو الداخل الليبي، بعيدًا عن الارتهان للمجتمع الدولي الذي عجز عن تحقيق اختراق حقيقي في الملف الليبي.
وتبقى ليبيا أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تلتقط فرصة التوافق الوطني وتستعيد استقرارها، أو تواصل الدوران في دوامة الانقسام والصراع.و يبقى الرهان على الإرادة الوطنية التي وحدها قادرة على إخراج البلاد من أزمتها ورسم ملامح مرحلة جديدة من الاستقرار والبناء.
