الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-05

1:14 مساءً

أهم اللأخبار

2025-12-05 1:14 مساءً

باب الذاكرة مفتوح على نافذة نقدية

02

ماجد القيسي

هذه القصة القصيرة جدًا .. للكاتب الليبي حسين بن قرين درمشاكي هي قطعة مكثفة وعميقة تتجاوز السرد المباشر لتلامس مفاهيم الذاكرة، والموت، والوجود.

​نقاط القوة والتحليل الفني:

​الكثافة والتكثيف اللغوي: تتميز القصة باستخدام لغة جزلة وقوية، ومفردات ذات حمولة دلالية عالية (“الصوان الأدهم”، “أدمان صدئة قانية”، “نزيف خلود متجمد”، “رزء قرن من الأفول”). هذا التكثيف يخلق جوًا ثقيلًا ومأساويًا من البداية.

​بناء المشهد :

 المشهد مبني بعناية فائقة؛ الجدار الصواني المرصوص يرمز إلى الصلابة الصامتة للزمن أو القدر. أما “الأدمان الصدئة” فتوحي بشيء حيوي تلاشى وتحول إلى صدأ مؤلم، كأنها دماء الماضي السحيق.

​الرمزية العميقة:

​الباب الخشبي المُعصف: يمثل نقطة العبور بين الوجود والعدم، وبين الحاضر والماضي المجهول (الذاكرة).

​الفراغ: بعد الدخول، لم يجد الراوي شيئًا سوى “الفراغ”، مما يؤكد أن الذاكرة أو الماضي لم يعد سوى خواء مؤلم، أو أن ما كان يبحث عنه قد فُقِدَ تمامًا.

​توقيع “وداع مصطفى”: هي الذروة الصادمة والتحول الجوهري في القصة. التوقيع يُعطي للمكان هوية، ولكنها هوية غامضة ومقلقة.

​لعبة الهوية والوجود: التحول الأخير من البحث عن “وداع لي” إلى رؤية “اسمي المحفور” هو ضربة وجودية قاصمة. يكتشف الراوي أنه ليس زائراً بل هو المغادَر الأصلي، أو أن هذا البيت/الذاكرة/القبر هو ملك له منذ الأزل. يتحول مصطفى من كونه كيانًا فاعلاً إلى “طيف مستوحد يحدق في قبره المجهور” – صورة الموت داخل الحياة.

​ختاما :

​القصة ليست مجرد زيارة لمكان قديم، بل هي رحلة سريعة إلى أعماق الذات واكتشاف لحقيقة وجودية مفادها أن نهايتنا مكتوبة ومحفورة في ذاكرة العالم حتى قبل أن نأتي إليها. الكاتب نجح في استخدام المكان (الجدار والباب) كـمرآة زمنية تعكس مصير البطل المحتوم، مما يجعل النص أشبه بقصيدة نثرية قصيرة عن تَحجُّر الذاكرة وعبثية الوجود.

 (( باب الذاكرة _ للقاص حسين بن قرين درمشاكي ))

جدارٌ من الصوانِ الأدهمِ، مرصوصٌ كقبضةِ دهرٍ عتيقة. الأُدْمانُ الصَّدِئةُ القانيةُ تتسرَّبُ من الأساس، كنزيفِ خلودٍ مُتجمِّد.

البابُ الخشبيُّ المُعصَّفُ يتوسَّطُ كُتلةَ الصَّمْتِ الصخريّ. نَوافذُهُ دَكْناءُ لا تفضحُ شيئاً سوى العدمِ المُمْتَدّ.

ثلاثُ مَدارجَ حجريَّةٍ، مُغشَّاةٌ بحشائشِ الحلفاءِ الرميم، اعتَلَيْتُها حاملاً رِزْءَ قَرْنٍ من الأفُول.

أصابعي ارتعشت فوق الخشب البارد، كأنني ألمس ذاكرة أبي، دفعة يتيمة… والباب ينشق على صمتٍ يعرفني.

مَدَدْتُ كَفِّي لأستشعرَ صَقيعَ الجَوْفِ السحيق، فلم أجدْ شيئاً سوى الفراغ.

أدبرْتُ راجعاً لأُودِّعَ هذا المَثْوَى.

فجأةً، التَقَطَتْ عيني التوقيعَ المُنْمَّقَ على حجرِ الزاويةِ العُلْوِيِّ الأيسرِ.

لم يكنِ الاسمُ وداعاً لشخص، كانَ تَدْشِيناً للبَيْتِ:

“وداع مصطفى”.

أنا الذي جئتُ لأَبْغِي وداعاً لي، أنا الآنَ أَرْنُو إلى اسمي المَحفورِ في جَلْمَد. صِرْتُ طَيْفاً مُسْتَوْحَداً يَحْدِقُ في قَبْرِهِ المَجْهُور.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications