تستعد ليبيا لمواجهة موجة نزوح جديدة من السودان بعد سقوط مدينة الفاشر في يد قوات “الدعم السريع”، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من تداعيات إنسانية وأمنية واقتصادية واسعة على الجنوب الليبي، الذي أصبح خط التماس الأول مع حركة اللاجئين الفارين من دارفور.
ونقلت صحيفة اندبندنت عربية عن المتخصص في الشؤون الأفريقية موسى تيهوساي، قوله إن أحداث الفاشر ستلقي بأعبائها على ليبيا، خاصة على حدودها الجنوبية، متوقعا ارتفاع أعداد اللاجئين السودانيين خلال الأسابيع المقبلة.
وأوضح أن أكثر من 170 ألف شخص غادروا المدينة المنكوبة بالفعل، وأن ليبيا باتت إحدى الوجهات الأقرب والأكثر احتمالاً لاستقبالهم، في ظل تدهور الوضع الأمني في السودان واستمرار الصراع العِرقي هناك.
من جانب آخر أشارت تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن أكثر من 360 ألف سوداني دخلوا الأراضي الليبية منذ اندلاع الحرب، ما شكّل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية والخدمات في المدن الحدودية.
كما تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يتجاوز عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا 650 ألف شخص بحلول نهاية عام 2025، في حال استمرار النزاع داخل السودان.
من جانبه أكد الحقوقي العامل في ملف اللاجئين بمدينة الكفرة جابر أبو عجيلة، أن السلطات الليبية تفتقر إلى إستراتيجية واضحة للتعامل مع تدفق اللاجئين، مشيراً إلى أن “الانقسام السياسي بين حكومتي الشرق والغرب يعقّد الموقف، ويجعل من الجنوب منطقة منسية لا تخضع لسلطة مركزية واحدة”.
وأضاف أن حكومة الوحدة الوطنية لا تملك السيطرة الفعلية على الجنوب، ما اضطر الحكومة الليبية إلى إدارة الأزمة الإنسانية الناجمة عن موجات النزوح الأخيرة.
ودعا أبو عجيلة اللجان العسكرية المشتركة (5+5) إلى التحرك العاجل لمتابعة تداعيات الأزمة الحدودية، محذراً من “خطورة أمنية محتملة إذا استمر غياب التنسيق الرسمي”.
كما طالب بتفعيل التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لإيصال المساعدات وتوفير الخيام والمواد الأساسية، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء وبرودة الطقس في الجنوب الليبي.
في المقابل، شددت الحقوقية منى توكا على ضرورة التعامل مع الأزمة من منظور إنساني شامل، معتبرة أن ليبيا تحولت من محطة عبور مؤقتة إلى بلد استقبال فعلي للاجئين.
وأوضحت أن الاكتفاء بإقامة مخيمات معزولة “ليس حلاً مستداماً، بل يجب العمل على تنظيم الوجود الإنساني وتوزيع اللاجئين على مناطق قادرة على الاستيعاب دون المساس بالنسيج الاجتماعي المحلي”.
وحذرت توكا من أن استمرار غياب السياسة الوطنية تجاه ملف اللجوء قد يخلق توترات اجتماعية وخطابات كراهية بين السكان المحليين واللاجئين، مشيرة إلى أن الحملات الرافضة لدخول السودانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعكس خوفاً من المجهول أكثر من كونها كراهية مقصودة.
ودعت إلى إطلاق حملات توعية رسمية توضح طبيعة الأزمة وحقوق اللاجئين ومسؤوليات الدولة.
ويرى مراقبون أن ملف اللاجئين السودانيين بات اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة الليبية على إدارة الأزمات الإنسانية وسط انقسامها السياسي والأمني، فبينما يطالب حقوقيون ومنظمات إنسانية بتفعيل الشراكات مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، يظل السؤال قائماً حول ما إذا كانت ليبيا قادرة على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لبناء نموذج إنساني جديد يعيد الثقة بين المواطن والدولة، ويثبت التزامها بمبادئ الجوار الأفريقي والتضامن الإنساني.
