عفاف عبدالمحسن
سؤالان في سطر واحد بكلمتي استفهام ” من / ماذا _ بالتأكيد إن هذين السؤالين القصيرين يحتاجان إلى إجابة شافية لنخلص بنتيجة مرضية للنفس التائهة الباحثة عنها وعن رغباتها .. لذا قد يقف المرء أمامهما متحيرا فالإجابة لن تكون سهلة ولا بسيطة إنها من التعمق بمكان بحيث تتضاعف الكلمات لتصبح صفحات من المعلومات عن الذات الباحثة في طيات النفس والروح والمتأملة في نواقصها التي بامتلاكها تكتمل صورتها الإنسانية أمام نفسها أولا ثم بين الآخرين المكملين أو المتعاونين أو حتى الواضعين عثراتهم الكلامية أو العينية أمامها كي لا تصل مبتغاها إما حقدا أو منافسة غير شريفة وهذا في السياق الحياتي اليومي العام يحدث كثيرا .. بداية :
_ هل وقفت مع النفس أمام مرآتها العاكسة لشيء ما فيك وتساءلت من أنا وعرفت الإجابة ؟!!
_ هل هذا السؤال يصل بك لحقيقة تجهلها عن نفسك التي تعايشت معها زمنا بين براءة الطفولة واهوجاج المراهقة وهدأة الكهولة فبدأت تسأل لتصل لنفسك وربما الآن أنت على مشارف الشيخوخة السنية لا القلبية ولا العقلية التي حتمت عليك البحث عن إجابة هذا التساؤل الذي قد يعتبره البعض فلسفيا إلى حد ما ؟!!
_ هل انتظرت طويلا وترددت حتى تبحث عن إجابة من أنا وهو الأهم ؟؟؟ ثم ماذا أريد ؟؟ والذي لا تتأتى معرفة أكيدة للإجابة عنه إلا إذا جاوبت نفسك عن من أنت ؟
أنت وأنتِ لستما أحدا من والديكما ولا الرفقاء !! هذا منطقي جدا وطبيعي لأن الله عز وجل خلقنا مختلفين لنتوافق ونتكامل ونتواصل .. مهما ورثت من أيها الإنسان ذكر أو أنثى من صفات فطرية لأهلك وربيت على خصال معينة في بيئتك الاجتماعية الأولى ثم خرجت لبيئات أخرى مدرسية . جامعية . مهنية . كل من تلتصق حياتك بهم قد يهبونك من صفاتهم شيئا وتتعلم الكثير .. لكنك ستعود لما جبلت عليه لتكون شخصا مختلفا لك مميزاتك وعيوبك منطلقة من مستوى تفكيرك في نفسك قبلا ثم الآخرين من حولك وحتى في تأملاتك الكونية للأشياء .
هكذا حينما تدرك ذاتك البعيدة عن مكونات شخصيات الآخرين من حولك تستطيع تكوين قناعاتك الشخصية حيال _ ماذا تريد ؟ ولن تظل تائها تبحث عن مكان لك ومكانة على الأرض وتحت الشمس وبين الناس ؟
قد نتعرف في حياتنا على أشخاص يوصمون بأنهم ” إمعات ” والإمعة هو الشخص عديم الرأي منتهك الخصوصية ليس قادرا على اتخاذ قرارات حاسمة حازمة واحدة ودائما متذبذب محتار لأنه مثلا : يصاحب شيخا كبيرا له حكمته وطريقته في الحياة التي عاشها بشكل مغاير وفي زمن مغاير عنه ولكنه يصبح صورة طبق الأصل منه بل ويكاد يمشي نفس مشيته البطيئة رغم أنه صغير وشيخه طاعن في السن ويتصلب تفكيره حيال الناس وقناعاته الحياتية هناك كما يراها شيخه .. ثم يتشبه بآراء وأفكار ويتشبث بها والده ويفعل مايفعل ويردد ذات الكلمات تجاه الناس والأمور وأهل بيته مهما كانت الأفكار التي يتبناها عاف عليها الزمن وتجاوزها المجتمع .. صاحبنا الإمعة تراه أحيانا لا يفارق الجامع إذا رافق عاقل يعرف دينه وهو حسن الخلق لأنه اختار طريقه وعرف نفسه ووجدها هنا لكنه لن يرى منه إلا هذا الجانب فيكونه .. ثم يدخل إلى طريق المذهبات إذا صاحب أو رافق شخصا سيئا .. وقد يشت فكره إلى جوانب سياسية كل يوم في جهة وكل يوم متبني آراء لا يدرك كنهها ولا مراميها أحيانا فقط لأنه جلس مع يساري أو جاور اليوم يميني .. عفانا الله وإياكم من هكذا شخصية متلونة ليس على خباثة بل لضعف تكوين وضياع نفس .. وعدم البحث عن إجابة للسؤال الأول : من أنا ؟ وقد نعزي هذا لطريقة التربية الخاطئة الصعبة إذ يلغي كثير من الأهل شخصيات أبنائهم وبناتهم بالقمع والإسكات وعدم المشورة وترك مساحة لتبني آرائهم السليمة لحياتهم أو لمنزلهم الأسري وإن احتووا القرار والرأي ببعض التهذيبات البنيوية التي تعطي للأبناء الثقة في النفس ودربة اتخاذ القرار .. فلا ينشأ الأبناء تابعين فارغين .
هيا نتجول باحثين عن إجابة السؤال الثاني الأكثر هولا لأنه يعني خطوات بناء ورسم خطط وإمكانية تنفيذها بما يمتلك من معطيات أي ماذا أريد بعد من أنا .. خطوة أولى نظرية نحو رسم الأهداف .. وبناء عليها سترسم دروبك المستقبلية !!!
بعض الناس جابهتني بأننا تحت أقدار الله هو يخطط لنا مستقبلنا ربما حددنا خططنا وعرفنا ماذا نريد ثم لم نكمل لأن يد القدر حددت لنا أن نموت في سن محدد صغير قبل أن نصل أو وصلنا ولم نستكمل وهكذا أفكار محبطة مريضة بعيدة عن معنى الدنيا ولماذا وجد الإنسان فيها خاصة ونحن المسلمون قرأنا قرآننا وسلمنا بالحياة والموت بالدنيا والآخرة بالجنة والنار وأننا نتوكل على الله لا نتواكل عليه .. وأننا نسعى في حياتنا ومعيننا الله وأننا ربما نفشل وربما نمرض وربما نتعثر كثيرا ونعدها ابتلاءات صبرنا عليها يؤجر ومحاولة التشبث بالأمل في الله وحسن الظن فيه ينتشلنا من الضعف إلى القوة ومن الفشل للنجاح .. إذن العبرة في إجابة السؤال ماذا أريد ؟ أن لا تفكر في الغيب ولا فيما هو مقدر لك بقدر تفكيرك في أن الله استخلفك للبناء والعطاء والبذل والسعي في الطريق الذي نرسمه وإتمامه من عدمه أو تغيير الخطة هذا بيد الله المهم النية أننا سننجح وسنصل واتباع الدروب السليمة والصحيحة للوصول .
إذن علمت من أنا وحدود شخصيتي المختلفة من كل بد عن الآخرين مهما كانوا في حياتي من هم _ هذا بحد ذاته هدف تحقق إذ تصالحت مع ذاتك وفهمتها وأن نجاحاتك القادمة لن تكون معقودة بدروب الآخرين الناجحين قبلك كما إخفاقاتهم لن تلحقك لأنك عرفت كينونتك وهذا يهيؤك لترى نورا يقودك لتقف عند_ ماذا أريد ؟
بطريقة ذكية فيها الوصول للأهداف التي سترسمها مع التوقف من حين لآخر لتعود لنفسك وتسألها هل أنت مرتاحة لما حدث لما وصلت إليه ؟ هل أنا سعيد وأسعدت معي غيري ؟ هل أسأت لنفسي وأنا أحقق شيئا وهل من حولي أحبوني وشجعوني وصفقوا لي لأنني منحتهم عطاء حقيقيا مع تحقيق ذاتي فكانوا جزء من النجاح ليسعدوا معي لا ليجاملوني ؟ هل بارزت بشراسة الحاقد على غيره لأنه الأفضل أم حمدت الله على ماوصلت إليه ووصل لغيرى لسقف أعلى لأنه امتلك مقومات ومعايير أهلته لذلك .. وأنا في مكان رائع يرضيني ويجعلني في مصاف المتميزين بما صنعوا وجاهدوا لأجل تحقيق ذواتهم ومنح الكرامة اللازمة لمن ساعدوهم فمن المستحيل أنني نجحت وحدي وحققت مارسمت من أهداف بمفردي وإن كانت الخطط لي فهناك من دفعني وهناك من فتح لي الأبواب وهناك حتى من وضع الحجارة أمامي لأبارز وأحارب وتقوى عزيمتي .
نعم لم تكن الإجابة هينة ولا أعتبر أنني هنا استكملتها وسنظل بعد كل وصول نتوقف لنسأل ذات السؤال .. وطالما فينا نبض وخفق وصحة ومدنا الله بعمر لن نتوقف عن البحث عن الذات وإن أدركنا هويتنا بما نملك من صفات فطرية وأخرى مكتسبة بالاختلاط وعرفنا نقاط القوة والضعف فينا وآمنا أننا بشر وفينا الجميل المستحب كما فينا القبيح الذي يجب أن نغيره أو نهذبه ما استطعنا لنتعايش بسلام بين الآخرين المختلفين عن هوياتنا والراغبين أيضا الوصول لإجابة سؤالهم لأنفسهم _ ماذا أريد ؟ لن تتقاطع الدروب مع الآخرين إذا شعرنا بسلام وآثرناه مع الآخرين بل ستتفق وتتوازى لنسير نحو خيرها معا .. فمن عاش لنفسه ماعاش ومن عاش مع الآخرين وبينهم ظل وإن كان ذكرى فسيكون له الأثر الطيب في نفوس الآخرين .
فلماذا نتناحر ؟ وعلى ماذا ؟ لماذا نبتعد دهورا عن الآخرين بحقد وحسد وغل وتباغض وتشاتم ؟ لماذا لا نقول سلاما ورحمة بألسنتنا وتؤمن عليها فعالنا .. لنأمن جميعا .!!! ويظل السؤال ماظل في الحياة بشر لا يعرفون إجابة .. من أنا وماذا أريد ؟
