في اكتشاف علمي استثنائي، أعلن فريق من علماء الحفريات بقيادة الدكتور بول سيرينو من جامعة شيكاغو عن حلّ لغزٍ طال أمده حول كيفية حفظ تفاصيل الجلد والأنسجة لدى ديناصورات الإدمونتوصوروس في تكوينات لانس بمنطقة الباد لاندز شرق وايومنغ، التي تُعرف بين الباحثين باسم “منطقة المومياء”، بعد أن قدّمت خلال العقود الأخيرة ما لا يقل عن ستة هياكل محفوظة بشكل مدهش.
وتُظهر هذه الأحافير تفاصيل دقيقة تشمل الجلد المتقشر والحوافر والأشواك، ما يجعلها من أندر الاكتشافات في علم الحفريات، وأوضح سيرينو، في الدراسة المنشورة حديثاً في مجلة Science، أن التحليلات الجديدة قدّمت تفسير علمي دقيق لآلية حفظ هذه التفاصيل، التي ظلت لغز منذ أن اكتشف عالم الحفريات تشارلز ستيرنبرغ أول مومياء ديناصور من هذا النوع في مطلع القرن العشرين.
وباستخدام تقنيات حديثة، مثل التصوير المقطعي المحوسب والمجهر الإلكتروني والتحليل الطيفي بالأشعة السينية، درس الفريق مومياءي ديناصور من نوع إدمونتوصوروس عُثر عليهما عامي 2000 و2001، إحداهما لصغير والأخرى لديناصور بالغ، وأظهرت النتائج أنه لم تبقَ أي أنسجة رخوة حقيقية، بل تكوّنت طبقة من الطين التصقَت بالجثة بفعل الشحنات الكهربائية الساكنة، ثم شكّلت “قناع طيني” حافظ على شكل الجلد الأصلي بعد تحلّله الكامل.
ويفسّر الباحثون الظاهرة بأنها نتاج تتابع من الجفاف ثم الفيضانات في أواخر العصر الطباشيري، إذ تجفّ جثث الديناصورات في العراء خلال فترات الجفاف قبل أن تدفنها الرواسب الناتجة عن الفيضانات، ما سمح بتكوّن القالب الطيني الحافظ لتفاصيل الجلد.
وأشار الدكتور أنتوني مارتن من جامعة إيموري، وهو غير مشارك في الدراسة، إلى أن المعادن الطينية “تلتصق بالأسطح البيولوجية وتشكل قوالب دقيقة للغاية”، موضحًا أن ذلك يفسر كيف احتفظت الأحافير بأدق تفاصيل القشور والأشواك والحوافر.
من جانبها، أكدت الدكتورة ستيفاني درامهيلر-هورتون من جامعة تينيسي أن هذا البحث يفتح آفاقًا جديدة لفهم عملية التحجّر، موضحةً أن فهم كيفية تكوّن هذه “المومياوات” سيساعد العلماء على تحديد المناطق التي يمكن أن تحتوي على أحافير مشابهة مستقبلًا.
وقد مكّنت هذه المومياوات فريق سيرينو من إعادة تصور شكل الإدمونتوصوروس بدقة غير مسبوقة، إذ أظهرت التحليلات أنه كان يمتلك عرف لحمي يمتد على طول رقبته وظهره، وصف من الأشواك بمحاذاة الذيل، وجلد رقيق مغطّى بحراشف صغيرة، فضلاً عن حوافر محفوظة بشكل واضح ما يجعله أقدم كائن بري معروف يمتلك حوافر، وفق ما أكد الباحثون.
ويعد هذا الاكتشاف خطوة كبيرة نحو فهم الحياة في العصور الطباشيرية، ويُبرز قدرة الظروف البيئية الاستثنائية على حفظ أدق تفاصيل المخلوقات التي عاشت قبل عشرات الملايين من السنين.


