كشفت اللجنة الفنية العليا لمتابعة ظاهرة طفح المياه الجوفية والتشققات والانجرافات الأرضية بوزارة الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية، عن تفاصيل موسّعة للظاهرة الجيولوجية الخطيرة التي شهدتها منطقة أولاد أبوعائشة ببلدية السبيعة، مؤكدة أنها ظاهرة طبيعية متكررة عالميًا، إلا أنها تستدعي دراسة دقيقة في الحالة الليبية بسبب خصوصية التربة وتأثيرها المباشر على المساكن والمزارع المحيطة.
من جانبه أوضح رئيس اللجنة الفنية العليا في تصريحات لوكالة الأنباء الليبية المهندس صالح الصادق، أن بداية ظهور التشققات تعود إلى عام 1990، لكنها توسعت بشكل ملحوظ بعد عاصفة مطرية قوية في عام 2023، حيث ظهرت على شكل أقواس في مزرعة غرب مشروع الهيرة الزراعي، وفي ديسمبر 2024، تسببت عاصفة جديدة في توسعها لتأخذ شكلًا دائريًا مكتملًا، وهو ما يشير عادة إلى وجود فجوات أو تجوفات عميقة تحت سطح الأرض.
وأشار الصادق إلى أن سيول الوادي في مارس 2023 وديسمبر 2024 ساهمت في تسرب كميات ضخمة من المياه والتربة إلى جوف الأرض، ما أدى إلى تزايد حجم الفراغات. وأوضح أن أحد الحفارين اكتشف فراغًا على عمق 43 مترًا، في مؤشر واضح على وجود تجوفات كبيرة ومعقدة في المنطقة.


زيارات ميدانية ومسوحات فنية
باشرت اللجنة أعمالها منذ نوفمبر 2023، ونفّذت عدة زيارات ميدانية بالتعاون مع خبراء في الجيولوجيا والهندسة الجيوتقنية والجوفيزياء.
وأظهرت نتائج الاستكشافات الأولية الحاجة إلى دراسة موسعة لتحديد امتداد الفجوات وأثرها على المناطق السكنية، كما اكتُشفت دوائر مماثلة في مواقع مجاورة على بعد كيلومترين شرقًا وكيلومتر ونصف شمال شرق الموقع الأصلي، ما يرجّح وجود شبكة من الفجوات والانجرافات المترابطة.
وفي زيارة ميدانية حديثة، شارك فيها كل من مدير عام الإدارة العامة لشؤون الإصحاح البيئي إبراهيم بن دخيل، وعميد بلدية السبيعة محمود عطوة، تمّت معاينة مواقع الانجرافات التي بلغ عمق بعضها نحو 30 مترًا، بما يشكّل خطرًا مباشرًا على المنازل المجاورة.
وقال الصادق إن سيلان الوادي في ديسمبر 2024 أدى إلى توسّع إحدى التشققات لتتحول إلى حفرة ضخمة بقطر 40 مترًا وعمق 30 مترًا، محذرًا من أن استمرار تدفق السيول قد يؤدي إلى زيادة أفقية وعمودية في حجم الحفرة، مما يُشكل خطرًا داهمًا على السكان، مشددا على أن التعامل مع الظاهرة يجب أن يتم بأساليب علمية دقيقة وليس بتدخلات عشوائية قد تزيد من حجم الضرر.
توصيات اللجنة الفنية وإجراءات عاجلة
وأوصت اللجنة بإخلاء نحو 20 منزلًا مهددًا، وإقامة حواجز مؤقتة لتأمين المواقع، إلى جانب تنفيذ دراسة جيوفيزيائية وجيوتقنية شاملة لتقييم الوضع على مساحة لا تقل عن كيلومترين مربعين، كما حذرت اللجنة من محاولات ردم الحفر والانجرافات بشكل عشوائي، مؤكدة أن الظاهرة نادرة وتحدث مرة كل عشرات الآلاف من السنين.
وأكدت وزارة الحكم المحلي حرصها على سلامة المواطنين واستمرارها في التنسيق مع الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات الفنية اللازمة لحماية الأرواح والممتلكات.
وفي سياق متصل، عقد وزير الحكم المحلي المكلّف عبد الشفيع الجويفي اجتماعًا طارئًا بحضور رئيس اللجنة الفنية صالح الصادق، ورئيس اللجنة الوطنية للطوارئ نصر المحتوت، لمتابعة تطورات الظاهرة.
وجرى خلال الاجتماع استعراض تقرير اللجنة حول ازدياد مساحة وأعماق التشققات والانجرافات، مع الاتفاق على تنفيذ إجراءات عاجلة لضمان سلامة السكان قبل موسم الأمطار.


كما ناقش الاجتماع الوضع في مدينة زليتن، حيث تمت مراجعة مخططات خفض منسوب المياه الجوفية بعد نجاح المرحلة الأولى من برنامج ربط الآبار بخط النزح، وجرى الاتفاق على البدء في المرحلة الثانية لتوصيل 20 بئرًا إضافية بهدف حماية المناطق السكنية من ارتفاع منسوب المياه الجوفية قبل حلول فصل الشتاء.
وأكد الصادق على أن اللجنة تواصل أعمالها الميدانية بالتنسيق مع الجهات الفنية والبحثية، مشددًا على أن سلامة المواطنين أولوية قصوى، وأن التعامل مع الظواهر الجيولوجية في ليبيا يجب أن يستند إلى دراسة علمية دقيقة تضمن استقرار التربة وحماية السكان من أي مخاطر مستقبلية.
وأكدت اللجنة الفنية العليا أن ظاهرة التشققات والانجرافات الأرضية في منطقة أولاد أبوعائشة تمثل تحديًا جيولوجيًا حقيقيًا يستوجب تعاملًا علميًا دقيقًا ومتدرجًا، مشددة على ضرورة استمرار التنسيق بين وزارة الحكم المحلي، واللجان الفنية، والسلطات المحلية لضمان سلامة السكان والممتلكات، مع متابعة التطورات الميدانية باستمرار قبل موسم الأمطار، كما حثت اللجنة على الالتزام بالدراسات الجيوفيزيائية والجيوتقنية لضمان وضع حلول دائمة ومستدامة تحدّ من المخاطر المستقبلية وتحافظ على الاستقرار البيئي والاجتماعي للمنطقة.
