الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-05

10:31 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-12-05 10:31 صباحًا

نيزك كلّه شوق للاصطدام بالأرض

01

سراج الدين الورفلي

أوشك 2025 على الانتهاء وهو أيضا لن يعود مطلقا وبالفعل كل شيء لم يعد له وجود كيف نخونه فقط سنخلص له وحتى للمواقف البائسة أو السارة التي كانت فيه حدثت لنا أو معنا ولكننا نتوقف بحسرة فقط نعرج على نقاط آلمتنا بصيغة الجمع هكذا نقد لعام منصرم ذهب إلى حيث لا عودة لا يعد إلا لون من الإخلاص المختلف كما كتب الورفلي مودعا أتراحا ضمها 2023 فكان من ألوان النقد البناء في أدب جديد تُنتقد السنون المارة استلهاما لإيجابيات ربما تأتي في سنة أو سنوات قادمة .

_________________ **

كان الأمر أسهل .. لو وجّهتُ الرسالة

لعام 2023 قبل الميلاد

فقد كنا حينها في ليبيا بصحة أفضل

(سراج)

عزيزتي 2023 ، ها أنا لا أنتظر قدومك ، وهذا بحد ذاته ليس إنجازاً بالنسبة إليّ، كما أنه بعيد كل البعد عن كونه أمراً سيئاً أو جيداً. إنه كأخذ تدريبات مكثفة على السباحة في حين أنك تكون قد غرقت فعلاً منذ زمن وانتهى الأمر، لا تأخذي الأمر بشكل شخصي .

حين كنت طفلاً، ظننت أنك حين تأتين، سأكون في كوخ من اليورانيوم الشفاف فوق جبل من جبال أورانوس المطل على إحدى المجرّات الأرجوانية المتلألئة وأربي كائناً فضائياً بخمسة أو ثلاثة عيون (أو أن يحدث العكس) ولكن ها أنا هنا على الأرض، أمارس نصف عادات أجدادي والنصف الآخر عادات مسروقة من الرجل الأبيض، وكلها أمارسها بشكل ركيك ومصطنع، في بقعة حزينة وبائسة خارج قياسات الزمن. على أيّ حال، بمجرد قدومك، سنتحدث عن أمور لا مفر منها وأصبحت عادة سيئة لكل سنة: ظهور المهدي المنتظر، ظهور العلامات الكبرى للقيامة، ونيزك يقترب كلّه شوق للاصطدام بكوكب الأرض، وفي كل مولد نبويّ، ستظهر الإشكالية الفلسفية الكبرى: هل الاحتفال به حرام أم حلال، بالإضافة إلى رئيس وزراء ليبي يتحدث عن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وكلها أشياء نتمناها أن تحدث لنتذكرك بها، لكن للأسف لن نتحدث، وهذا ليس يأساً أو أملاً بل كما أشرت. هو يشبه قراءة كتيب صغير عن تعلم السباحة وأنت تطفو غارقاً في حوض استحمام.

ليس هيناً أن أكتب لك رسالة ليس فيها شيء، لكن هذا ما يحدث بالفعل. حين نرغب في إطلاق الرصاص على الآخرين، يتعطّل مخزن المسدس فجأة، وحين لا نرغب في إطلاق الرصاص على أنفسنا تخرج الرصاصات مصدرة دوياً مدهشاً داخل جماجمنا المظلمة ، كان الأمر أسهل لو وجهت الرسالة لعام 2023 قبل الميلاد ، كنا حينها – في ليبيا مثلاً – بصحة جيدة أكثر، نقضي أوقات فراغنا نصنع الآلهة والرقصات الجيدة لهذا العالم المتغطرس. ننجز كل أعمالنا قبل مغيب الشمس ونتمدد على فراء أكثر الحيوانات شراسةً، نحكي الحكايات وحولنا مئات الأحفاد نتقاسم معهم الضحك واللحوم، والنار وسطنا تصلي بشغف لا مثيل له لتخرج لنا نوراً نقياً. ولكن الآن في هذا العالم الذي تحول إلى مكب نفايات بلاستيكية هائلة، ماذا بوسعنا فعله؟ ليس هناك من يعلمنا كيف نعيش، رغم أننا نعيش منذ آلاف السنوات، وقتلنا مع بعضنا ملايين الناس، واخترعنا ما لا يحصى من المشانق وأدوات التعذيب، وارتكبنا المجازر الهائلة، ودونّا الحروب والإبادات على الصخور وجلود الماعز، وخلق الله لنا الغربان لتعلّمنا الدفن خوفاً من أن نطمر البحار والأراضي والغابات تحت الجثث المتعفنة .. وها نحن لشدة حماسنا المفرط، ما زلنا نشكو قصر الوقت !

لا أعرف وقتاً صار فيه الإنسان اجتماعياً ومعزولاً إلى هذا الحد المفجع ، فمنذ أن وضعوا التوقيت في الموبايلات ونحن نرتدي ساعات معطّلة . ومنذ أن وضعوا التقويم في الأجهزة الذكية ونحن نتخلّف عن مواعيدنا . لقد صرنا أكثر حذراً وأقل حظاً. كان جدّي يتعوذ كل صباح من الأشرار واللصوص ورفقة سيئي الحظ.

ومع ذلك ، عليَّ أن أسأل الرجل الذي يجلس في الطاولة المجاورة كم الوقت عنده. لن ينظر أيضاً إلى موبايله. سيقول :

— أعتقد أنها السابعة !؟

وسأقول كما كان يقول أسلافي القدامى :

— أوه الوقت يمضي بسرعة هذه الأيام ، لم يعد فيها بركة كما سبق، وسيوافقني الرأي سريعاً مضيفاً جملةً هزيلة أخرى.

كل هذا لا يهم، صدقيني، لا الوقت مهم، ولا جدي مهم، ولا هذا الغريب مهم، المهم أبداً ودائماً هذا الحوار الإنساني المبتذل، هذا ما نحتاج إليه في كل زمان ومكان، في الكهوف، وقاطرات البواخر، في قبو القصور مع الخدم، في ممرات المستشفيات، داخل السجون الباردة، في مقصورة كبار الزوار، داخل الملاجئ أثناء الحروب، في صالات الانتظار بالمطارات، في الحانات والمقاهي الشعبية، في طوابير المخابز والمؤسسات الحكومية.

سينقرض الإنسان يوماً ما لا محال، وهذا نفسه غير مهم، لكن العالم سيبقى عاجزاً إلى الأبد عن فهم وإجراء مثل هذه الحوارات. الأمر ليس له علاقة بكوننا كائنات فردية أو جماعية. نحن – وهذا ما عاد فيه مجال للشك – كائنات يتيمة سيئة الحظ نبحث دائماً عن الآخر إما لنزيّن به قصتنا أو لنحذفه منها.

في عهدك، لن تزدهر سوى تجارة المخدرات، والأسلحة، والبشر، والعملات الرقمية، ويسوء المناخ بسبب التلوث، وسنموت في وقت أقصر بسبب الوجبات السريعة الرديئة. ومع ذلك، سيولد أطفال أشقياء مشاكسون ومتمردون، يحلمون بتغيير العالم، سيكتبون الأشعار ويتعلمون الرقص ويساعد بعضهم بعضاً في أشد الأوقات العصيبة، فكل هذا الخوف الذي أنتجه العالم لم يقنع زهرة واحدة بعدم المجيء، وإن كنت وقتها مجرد جثة غارقة في المحيط وبقربي كتيب بائس لتعلم السباحة، فسأكون سعيداً إلى أبعد حد بأن تتشبث بي يد ملهوفة تحاول تعلم السباحة.

مزاجي سيء، لذا أعتذر عن هذه الرسالة الكئيبة المكتوبة بشكل سيء. حين يتحسن مزاجي، أعدك بأني سأكتب لك رسالة كئيبة مكتوبة بشكل جيد.

المخلص دائماً إليك طالما أنك لا تأتين.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications