بقلم / حسين المسلاتي
في خطوة تعكس ذروة التخبط السياسي ومحاولات التمسك بالسلطة بأي ثمن، أعلنت الأجسام التنفيذية والتشريعية منتهية الولاية في طرابلس، والمتمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة ومجلس الدولة، عن تأسيس ما يسمى بالهيئة العليا للرئاسات، ورغم ما يكتنف هذه الخطوة من مخالفات قانونية وإجرائية صارخة، إلا أنها تأتي امتدادا لمسار ممنهج من العبث والتعطيل الذي دأبت هذه الأجسام على ممارسته لإدامة حالة الانقسام وعرقلة أي جهد وطني يهدف إلى ترتيب البيت الداخلي.
ورغم انتهاء ولاية المجلس الرئاسي وحكومته منذ سنوات، بالتزامن مع انعدام أي أساس قانوني لاستمرار رئاسة مجلس الدولة، خاصة وأن مسألة من يتولى رئاسة هذا المجلس الاستشاري ما تزال محل نزاع قضائي منظور أمام المحاكم، بالإضافة إلى تغيب المؤسسة التشريعية الوحيدة المتمثلة في مجلس النواب عن هذا الإعلان، ما يجعل ما جرى بلا أي سند دستوري أو سياسي، ومع ذلك، تمضي هذه الأجسام في محاولتها خلق واقع سياسي جديد، هدفه الحقيقي ليس الإصلاح، بل عرقلة أي مسار جاد نحو تشكيل حكومة موحدة جديدة تُعد المدخل الطبيعي لتنظيم انتخابات وطنية تنهي حالة الانقسام وتعيد بناء الشرعية.
ويتزامن هذا التحرك مع أجواء وطنية إيجابية رسختها سلسلة اللقاءات التي احتضنتها مدينة المشير العسكرية بمشاركة مشايخ وأعيان وحكماء المناطق الليبية كافة من الشرق والوسط والغرب والجنوب مع القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر.
هذه اللقاءات التي أعادت التأكيد على وحدة الصف الوطني وضرورة إيجاد حل جذري أثارت خشية الأجسام المنتهية الولاية من خروج البلاد بخارطة طريق جديدة تقوم على التوافق الوطني بعيدا عن ابتزازها السياسي.
وبالتالي، جاء الإعلان عن الهيئة العليا للرئاسات كخطوة استباقية لإرباك المشهد وإفشال أي بديل يقترب من إنهاء الأزمة التي باتت تتفاقم يوميا وتؤثر سلبيا على الأحوال المعيشية للمواطن.
إن هذا التصعيد الممنهج يجب ألّا يمر مرور الكرام، فالأجسام المنتهية الشرعية تمارس اليوم انقلابا سياسيا مكتمل الأركان على النصوص الدستورية وعلى مبدأ التداول السلمي على السلطة، لذلك، فإن المرحلة تفرض هبة شعبية واسعة توقف هذا العبث وتضع حدا لمحاولات اغتصاب القرار الوطني، وترسم مسارا جديدا يحقق طموح الليبيين في دولة مستقرة موحدة ذات مؤسسات فاعلة.
وأمام خطورة هذه التطورات، يصبح المجتمع الدولي والبعثة الأممية للدعم في ليبيا أمام اختبار حقيقي، فصمتهما أو امتناعهما عن إدانة هذه الخطوة سيفهم باعتباره تشجيعا ضمنيا لهذا الانقلاب على الشرعية الدستورية، وسيساهم في ترسيخ حالة الفوضى وتهديد مسار الحل السياسي.
وفي ظل هذا الخرق الصارخ للاتفاقات السياسية، وتغول سلطات فاقدة للشرعية مدعومة بتشكيلات مسلحة خارجة عن القانون، يصبح من الواجب الوطني على المؤسسات الشرعية أن تعلن بوضوح أنها في حلّ من اتفاقي الصخيرات وجنيف، وأن تبدأ فورا في دراسة جميع الخيارات المتاحة للتعامل مع هذا التطور الخطير الذي يستهدف البنية الدستورية للدولة ويهدد الأمن والاستقرار.
