الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-05

10:31 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-12-05 10:31 صباحًا

التدخل السلبي لإيطاليا في الأزمة الليبية بعد أحداث السابع عشر من فبراير

 عبدالغني حسن العريبي

 عبدالغني العريبي

المقدمة

مثّلت ليبيا بعد أحداث فبراير 2011 إحدى أكثر الساحات تعقيداً في البحر المتوسط، حيث تداخلت فيها الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق ، وقد وجدت إيطاليا نفسها في قلب هذه التطورات، ليس فقط لقربها الجغرافي، بل أيضاً بحكم تاريخها الاستعماري ومصالحها الاقتصادية والأمنية العميقة في ليبيا، إلا أن التدخل الإيطالي اتسم في مجمله بالسلبية، إذ لم يسعَ إلى دعم الاستقرار أو بناء الدولة، بل ارتبط بمحاولات استغلال الوضع لصالح أجندة ضيقة تتمحور حول النفط والهجرة، على حساب المصلحة الوطنية الليبية.

أولاً: السياق العام بعد 2011

بعد احداث السابع عشر من فبراير، دخلت ليبيا مرحلة فراغ سياسي وأمني جعلتها ساحة مفتوحة لتدخلات متعددة. وأمام هذا المشهد، رأت إيطاليا أن الأزمة فرصة لإعادة إنتاج نفوذها التاريخي، مستفيدة من ضعف الدولة وانقسامها، ومن حاجة الحكومات الليبية المتعاقبة إلى الشرعية والدعم الخارجي، وبذلك لم يكن الموقف الإيطالي حيادياً، بل جاء محكوماً بمصالح أنانية مرتبطة بثلاثة ملفات رئيسية: الطاقة، والهجرة، والتنافس الأوروبي مع فرنسا.

ثانياً: التدخل السلبي الإيطالي بعد 2011

تركّز التدخل الإيطالي في ليبيا بعد 2011 على تكريس حالة الضعف والانقسام بدلاً من المساعدة في تجاوزه ، فعلى الصعيد الاقتصادي، ضمنت روما عبر شركة إيني استمرار السيطرة على قطاع النفط والغاز، الأمر الذي أضعف إمكانية تنويع الشراكات الاقتصادية الليبية، وعلى المستوى الأمني، مارست ضغوطاً كبيرة على الحكومات المتعاقبة لقبول اتفاقيات تتعلق بالهجرة غير الشرعية، رغم أن ليبيا ليست طرفاً في اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

كما برزت إيطاليا كأحد أبرز الأطراف الدافعة إلى جعل ليبيا منطقة عازلة لتوطين المهاجرين الأفارقة، بما يحوّلها إلى حاجز بشري يحمي أوروبا من تدفقات الهجرة ، هذا التوجه قوبل برفض واسع داخل ليبيا، لأنه يتناقض مع التركيبة السكانية الليبية ويهدد هويتها الوطنية. علاوة على ذلك، اتخذت إيطاليا موقفاً انتقائياً من الأطراف الليبية، فدعمت أطرافاً بعينها وفقاً لمصالحها، ما أسهم في تعميق الانقسام السياسي وأضعف فرص التوصل إلى حل شامل.

ثالثاً: أدوات التأثير الإيطالي

لم يكن الحضور الإيطالي في ليبيا عفوياً أو عارضاً، بل استند إلى حزمة من الأدوات المدروسة بعناية، تمثل امتداداً لموروث استعماري قديم لكنه أُعيد إنتاجه في ثوب حديث ، ويمكن إبراز أبرز هذه الأدوات فيما يلي:

الأداة الاقتصادية:

اعتمدت إيطاليا بشكل أساسي على نفوذ شركة إيني، التي تُعد أكبر مستثمر أجنبي في

قطاع النفط والغاز الليبي ، ولم يقتصر الدور على الاستثمار بل تعداه إلى التأثير المباشر في القرار الاقتصادي، إذ كانت إيني بمثابة “الذراع الخفية” للسياسة الإيطالية، تضمن استمرار تدفق الغاز عبر خط غرين ستريم نحو أوروبا ، هذا النفوذ الاقتصادي جعل ليبيا في موقع التابع بدل الشريك، وأدى إلى إقصاء المنافسين الدوليين لصالح الشركات الإيطالية.

الأداة الأمنية:

ركزت إيطاليا على ملف الهجرة غير الشرعية، فعملت على عقد اتفاقيات ثنائية مع الحكومات الليبية المتعاقبة (خاصة اتفاق 2017 مع حكومة الوفاق)، والذي نص على دعم خفر السواحل الليبي وتجهيزه لوقف تدفق المهاجرين. غير أن هذا الدعم لم يكن بريئاً؛ إذ ترتب عليه منح شرعية لميليشيات محلية تحولت إلى فاعلين أمنيين واقتصاديين ، إضافة إلى ذلك، نشرت روما وحدات عسكرية صغيرة في مصراتة وطرابلس تحت غطاء “الدعم الفني والإنساني”، لكنها عملياً شكلت وسيلة للتأثير الأمني المباشر.

الأداة السياسية والدبلوماسية:

سعت إيطاليا إلى لعب دور الوسيط الدولي في الملف الليبي، عبر استضافة مؤتمرات (مثل مؤتمر باليرمو 2018) ومحاولة تقديم نفسها كقوة توازن داخل الاتحاد الأوروبي أمام النفوذ الفرنسي. لكنها في الواقع لم تسعَ إلى حل شامل، بل إلى هندسة التوازنات بما يضمن استمرار مصالحها ، كما وظّفت أدوات الاتحاد الأوروبي ومؤسساته لتدويل أولوياتها، فجعلت سياسة بروكسل تجاه ليبيا انعكاساً لمصالحها الخاصة.

الأداة الإنسانية – الهجرية:

اتخذت إيطاليا خطاباً إنسانياً لتبرير تدخلها في ملف المهاجرين، لكنها عملياً حولت ليبيا إلى “منطقة عازلة” لحجز المهاجرين بعيداً عن السواحل الأوروبية ، فقد قامت بتمويل مراكز احتجاز في ظروف تفتقر لأبسط المعايير الحقوقية، وهو ما أدانته منظمات دولية عديدة ، الهدف الأساسي لم يكن حماية المهاجرين، بل منع وصولهم إلى أوروبا بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار ليبيا أو حقوق الإنسان.

الأداة الثقافية والإعلامية:

لم تكتف إيطاليا بالاقتصاد والسياسة، بل استخدمت القوة الناعمة عبر الإعلام والثقافة لتلميع صورتها والتقليل من سلبيات تدخلها ، فقد سعت إلى تقديم نفسها كأقرب “شريك حضاري” لليبيا، مستغلة الروابط التاريخية والجغرافية، في محاولة لإخفاء الطابع الاستغلالي الحقيقي لعلاقاتها.

إن هذه الأدوات مجتمعة تكشف أن إيطاليا تعاملت مع ليبيا باعتبارها امتداداً لأمنها القومي ومجالاً حيوياً لمصالحها، ما جعل تدخلها أقرب إلى إدارة نفوذ وهيمنة منه إلى شراكة متوازنة.

رابعاً: التداعيات السلبية للتدخل الإيطالي

أدى التدخل الإيطالي إلى مجموعة من التداعيات التي أثرت بعمق على المسار الليبي:

  1. التداعيات السياسية:   تعميق الانقسام بين الفرقاء الليبيين نتيجة انتهاج إيطاليا سياسة الاصطفاف بدلاً من الحياد، وهو ما انعكس في ضعف فرص بناء توافق وطني.
  2. التداعيات الاقتصادية:  تكريس تبعية الاقتصاد الليبي لشركة إيني والحد من قدرة الدولة على تنويع استثماراتها وعلاقاتها الاقتصادية.
  3. التداعيات الأمنية:  شرعنة الميليشيات وتحويلها إلى شركاء في إدارة ملف الهجرة، بما ضاعف من حالة الفوضى الأمنية.
  4. التداعيات الاجتماعية:  محاولة فرض مشروع التوطين للمهاجرين الأفارقة في ليبيا، بما يهدد التركيبة السكانية ويثير مخاوف من تحولات ديموغرافية خطيرة.
  5. التداعيات السيادية:  الحد من استقلالية القرار الوطني الليبي، حيث باتت الحكومات تحت ضغط التزامات واتفاقيات غير متكافئة.

الخلاصة

إن التدخل الإيطالي في ليبيا بعد أحداث فبراير 2011 اتسم بالانتهازية والأنانية، حيث سعت روما إلى استغلال هشاشة الوضع لفرض أجندة خاصة تتمحور حول ضمان مصالح الطاقة وإدارة ملف الهجرة. إلا أن أخطر أوجه هذا التدخل تجسد في الضغط لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا، وهو مشروع يهدد الأمن القومي والهوية الوطنية، ويحوّل ليبيا إلى “دولة حاجز” تخدم مصالح أوروبا على حساب مصالح الليبيين.

غير أن معالجة هذا الواقع تتطلب التفكير في أسس الحل، التي يمكن تلخيصها في الآتي:

  1. تعزيز وحدة الموقف الليبي داخلياً عبر بناء مؤسسات قوية قادرة على التفاوض من موقع قوة مع الأطراف الدولية.
  2. صياغة استراتيجية وطنية للهجرة تنطلق من المصالح الليبية أولاً، وتؤكد أن ليبيا ليست ملزمة دولياً بتوطين المهاجرين.
  3. تنويع الشراكات الدولية بحيث لا تبقى ليبيا رهينة الضغوط الإيطالية أو الأوروبية فقط، بل تنفتح على تعاون متوازن مع دول الجوار والاتحاد الإفريقي.
  4. توظيف ورقة النفط كورقة قوة وطنية، بما يضمن أن يكون التعاون الاقتصادي قائماً على قاعدة المنفعة المتبادلة لا الاستغلال.
  5. تعزيز الدور الدبلوماسي الليبي في المحافل الإقليمية والدولية لتصحيح الصورة السلبية التي خلفتها سياسات التدخل الخارجي.

بهذا يصبح الحل مرتبطاً باستعادة القرار الوطني المستقل، وإعادة ضبط العلاقة مع إيطاليا وأوروبا على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيداً عن الوصاية أو الإملاءات.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications