الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-05

10:31 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-12-05 10:31 صباحًا

ثقب ضوء في سماء معتمة/ قراءة في النص البابلي حوارية السيد والعبد

خلخلة

أحمد ناصر بن قرين

(تفاؤلي راسخٌ لا يتزعزع … لأنه ينجم تحديداً عن اليأس)

يانيس ريتسوس

من حالة إحباط شامل وتذبذب في الاختيار نتيجة فقدان الهدف وتراكم العبث واللاجدوى ، يترك النص مساحة شاسعة للأمل الصلب الذي يولد من أقصى مجاهل اليأس.

ما الذي يبقى للروح المرهفة المرهقة عندما تتعذب بجحيم التكرار الممل لتصبح الساعات توائمَ لا تتغير؟ عندما تُفقد قيم الفطرة والغريزة النقية التي ترفض التشويه، وتصير الطقوس في التجمعات مزادات لتسويق النفاق وممارسة الحياة الصدئة بحماسة وسعار؟

ليس من خلاص سوى الانسلاخ عن هذه الحالة الهلامية التي لا تعي فضيلة التعاطف، وأن تنحاز إلى الانزواء والصمت واللامبالاة.

حين تعاين الخراب يحيط بها، وحيث يسقط الكل في هاوية تتعطل فيها الإرادة عن المبادرة الذاتية الخلّاقة القائمة على الاختيار الحر والفعل السبّاق، فلا يبقى أمامها سوى السخرية المريرة القائمة على إحساس بالعبث والخواء، الذي يقودها للاحتفاء بالموت حيث يستوي الجمال بالبشاعة، وتفقد الأشياء معانيها بعدما فقد الوجود أي معنى.

هذا النص المذهل المُحيّر الذي جاءنا من بابل، ونقلته إلينا ألواح الطين عند نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وهي الفترة التي شهدت اضمحلال حضارة زاهرة وسقوطها تحت جحافل الكاشيين ثم الأشوريين لاحقاً، بعد مجد عظيم بلغ أوجه بالحس الأخلاقي الراقي الذي تجسّد عبر الأجيال بقوانين حمورابي، حيث بلغ الشعور بالمسؤولية ذروته عبر تشريع دقيق، وإن تجاوز حدوده القصوى في العقاب الرادع العنيف. تلك القوانين التي جاءت في صميمها لحماية المغفلين، لا لتوريطهم كأكباش فداء للعدالة.

ويأخذ النص شكل حوار بين سيد شاب وعبده…

“وهل يحتمل سيدي العيش بعدي ثلاثة أيام؟”…. هكذا ينتهي النص بشكل فاجع هازئ بكل شيء، وهو يخفي وراء ملهاته المأساوية مكاناً شاسعاً للأمل. الأمل الذي يولد من أشد اللحظات قنوطاً وعدمية. أملٌ يقينه الأزلي أنه مع اليأس ليس أمام الإنسان سوى أن يبقى وأن يبحث عن الخلاص حتى وهو يحتضر.

يقول نيتشه: «الأمل أكبر الشرور لأنه يطيل عذاب الإنسان». ويقول بيسوا: «ترقب الأفضل وتهيأ للأسوأ». ومحمود درويش تمنى اليأس لحبيبته لتُبدع، وسعد الله ونّوس قال: «نحن محكومون بالأمل» وهو في أوج القنوط.

وهكذا تدور الحياة. الأمل يولّد الوهم، والوهم يسقي اليأس، واليأس يترقب أملاً أهوج.. فاليأس هو المحرك الوحيد للأمل، والأمل الصلب هو ذاك الذي يولد من أقصى مجاهل اليأس.

قدّمت قراءة الشاعر أحمد ناصر قرين للنص البابلي مساحة تأملية نادرة أعادت الاعتبار لنص عمره آلاف السنين، لكنه ما يزال قادراً على ملامسة قلق الإنسان اليوم بذات الحدة والصدق.

وبين اليأس الذي يحرك الأمل، والعبث الذي يوقظ الأسئلة، بدا النص وكأنه جزء من حاضرنا، يتماهى مع انكساراتنا ومحاولاتنا الدائمة للعثور على معنى، حتى في أكثر اللحظات عتمة.

لم يكن اللقاء مجرد قراءة لنص قديم، بل كان استعادة لصوت إنساني يصرّ على البقاء والبحث، في زمن تتلاطم فيه العواصف، ولا ينجو فيه إلا من تمسّك بأمل يولد من قلب اليأس نفسه.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications