صوّت مجلس الأمن بالأغلبية على تمديد تفويض عملية “إيريني” لمدة 6 أشهر إضافية، وفي جلسة تركزت على تقدّم إجراءات المساءلة في ليبيا، رحّب أعضاء المجلس بالتقدّم الملحوظ الذي أحرزه مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وبيّنت الأُمم أنّ هذا التقدّم يظهر في اعتقال وتسليمٍ وشيك لمتهمٍ بارز هو خالد الهيشري، الذي جرى توقيفه من قبل السلطات الألمانية استجابةً لمذكرة توقيف صادرة عن الدائرة التمهيدية للمحكمة، وُجهت إليه اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سجن معيتيقة بالعاصمة طرابلس.
ألقى البيان نيابةً عن أعضاء المجلس ممثلون عن عدد من الدول الأطراف في نظام روما الأساسي: فرنسا، واليونان، وغيانا، وبنما، وجمهورية كوريا، وسلوفينيا، والمملكة المتحدة، والدنمارك وأكد الأعضاء على شكر نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نزهت شميم خان وفريقها لتقديمهم التقرير الثلاثين لمكتب المدعي العام بشأن الوضع في ليبيا بموجب القرار 1970، كما تم الترحيب بالتقدّم الملحوظ في خطوط التحقيق الأربع المحددة، وبالإعلان الصادر عن السلطات الليبية بموجب المادة 123 من نظام روما، وبالخطوات الملموسة المتخذة متابعةً لهذا الإعلان.
وأكد الأعضاء على أهمية استمرار تواصل مكتب الجنائية الدولية مع الضحايا ومنظمات المجتمع المدني في ليبيا لبناء الثقة وسماع أصوات الضحايا، داعين جميع الدول لأن تفي بالتزاماتها بموجب نظام روما ورقم 1970، بما في ذلك اعتقال ونقل الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر توقيف لمنع الإفلات من العقاب.
وشدد البيان على الاعتراف بأن إحالات المجلس يمكن أن تؤدي إلى نتائج قضائية ملموسة، مع التشديد على حماية المحكمة ومسؤوليها وشركائها من أي تهديدات أو إجراءات تستهدفهم.
إحاطة نائبة المدعي العام نزهت شميم خان
قدّمت نائبة المدعي العام نزهت شميم خان إحاطةً أمام مجلس الأمن قالت فيها إنّ الأشهر الستة الماضية شهدت سلسلة إنجازات غير مسبوقة في ليبيا، مضيفةً أن مكتب المدعي العام ملتزم بتنفيذ واجباته وفق قرار 1970، ومعالجة ملفات الانتهاكات الخطيرة.
وأشارت إلى أن اعتقال “خالد الهيشري” في ألمانيا جاء بناءً على مذكرة توقيف للمحكمة الجنائية الدولية يمثل تقدّماً مهمًا؛ الهيشري متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سجن معيتيقة خلال الفترة 2015–2020، بما في ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي.
ولفتت خان إلى أن الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز تمثل سلوكًا محظورًا، وشعور مرتكبيها بالإفلات من العقاب أدى إلى مزيدٍ من القسوة والعنف ضد الضحايا، مشددة على ضرورة التركيز مستمر لضمان اعتقال أسامة المصري (إنجيم)، مدير إدارة العمليات السابق بجهاز الشرطة القضائية، ونقله للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية على تهم القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، منوهة إلى أن إدارة النيابة تلقت تقارير عن احتمال اعتقاله في ليبيا وتعمل على التأكد بالتنسيق مع النائب العام.
وقالت خان خلال إحاطتها إنه يجري المتابعة أيضًا لملف سيف سليمان سنيدل، المسؤول عن جرائم الحرب في لواء الصاعقة، المشتبه بمشاركته في إعدام 23 شخصًا أثناء عملية الكرامة عام 2014؛ طالبت سلطات شرق ليبيا بضمان اعتقاله وتسليمه للمحكمة، منوهة إلى تلقيهم تقارير عن اعتقال أشخاص آخرين ويستمر التواصل مع النائب العام الليبي لتأكيدها.
وأفادت أن مكتب النيابة أشار إلى أن التحقيقات في ليبيا ستستمر بعد مايو 2026، مع تقييم للفرص والإطار الزمني لتنفيذ استراتيجية الوضع لعام 2022، ومع وعد برفع تقرير فوري للمجلس عند اكتمال المسارات الثلاثة للتحقيق النشط، مضيفة أن فريق العمل الليبي الموحد أجرى أكثر من 150 اجتماعًا خلال الستة أشهر الماضية مع 54 منظمة مجتمع مدني ومدافعين عن حقوق الإنسان وجمعيات للضحايا.
وبشأن قضايا الاتجار بالبشر والهجرة، قالت خان سُجلت نتائج ملموسة؛ على سبيل المثال بدأت محاكمة توليدي جويتوم (المعروف باسم وليد) في هولندا في 3 نوفمبر 2025، بتهم تشمل الابتزاز والتهريب والانتماء إلى منظمة إجرامية، مع وجود عمليات لها صلة بليبيا.
وشددت خان على أن تكاتف ليبيا ومجلس الأمن والمحكمة يمكن أن يثمر نجاحًا قضائيًا ويخلق زخمًا نحو محاسبة مرتكبي الانتهاكات الكبرى.
وشددت نائبة المدعي العام على أن المحكمة تواجه محاولات تضييق وترهيب من جهات معيّنة، وأن هذه الأعمال لا تخدم سوى من يسعى للإفلات من العقاب، مطالبة بضرورة حماية المجتمع المدني وشركاء العدالة.
وربطت خان وتعهدت بالتواصل المرتقب مع مكتب النائب العام الليبي، بعد تلقيها دعوة للقاء شخصي من النائب العام، مؤكدة أنّ مكتب النيابة يواصل التعقب والتحقيق في قادة ميدانيين ومدى مسؤوليتهم عن جرائم حرب، مثل سنيدل وإنجيم وغيرهم.
مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن
الولايات المتحدة
مندوب الولايات المتحدة طالب خلال إحاطة الجنائية الدولية بضمان محاسبة المسؤولين، وذكر أن ذلك يسهم في استعادة الاستقرار والسلام في ليبيا،
وقال خلال جلسة لمجلس الأمن للاستماع إلى إحاطة للمحكمة الجنائية الدولية حول ليبيا، إن السلطات الليبية عليها المساعدة في محاسبة المتهمين من نظام القذافي ليواجهوا العدالة ويقضي على مسألة الإفلات من العقاب، بما يضمن السلام والأمن والاستقرار.
وأشاد باعتقال رئيس جهاز الشرطة القضائية سابقا أسامة نجيم، داعيًا السلطات الليبية إلى مساءلته حول انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في مرافق الاحتجاز، مشيرا إلى لقاءات وجهود المبعوث الأميركي إلى أفريقيا مسعد بولس حول الشأن الليبي، مضيفا: “ندعم تقدم ليبيا نحو الاستقرار والأمن والازدهار”.
روسيا
مندوبة روسيا لدى مجلس الأمن قالت إن هناك 4 دول انسحبت من نظام روما الأساسي نتيجة ازدواج المعايير وفقدان الثقة بالمحكمة، لافتة إلى أن فظائع الحرب الأهلية في ليبيا ظهرت نتيجة عدوان الناتو عام 2011 الذي دمّر الدولة الليبية وخلق بيئة خصبة للتطرف والجريمة.
وأضافت أن المحكمة أظهرت انتقائية في تعاطيها مع قضايا المهاجرين، مستشهدة بأن التحقيقات تشير إلى أحداث فردية دون الوقوف عند دور الدول الأوروبية، داعية إلى أن تكون التسوية المستدامة عبر دعم المؤسسات الوطنية، معتبرة أن عمل المحكمة أحيانًا يشكّل عثرة في مسألة تطبيع الأوضاع.
فرنسا
ممثل فرنسا أكد دعم بلاده وتبنّيها للتقدم الذي أحرزته النيابة، وأشار إلى أن ليبيا منحت المحكمة اختصاصًا بموجب قرارٍ في مايو 2025، مما يدل على ثقة السلطات الليبية في دور المحكمة.
المملكة المتحدة
مندوب المملكة المتحدة رحّب بالتقدم الذي أحرزه مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذ ولايته في إطار القرار 1970، وهو تقدم ينعكس في تسليم “خالد الهيشري” بعد اعتقاله في ألمانيا.
وأعرب المندوب عن انفتاح بلاده على زيادة التعاون من قبل السلطات الليبية وشجعها على الاستمرار بهذا الزخم لضمان حصول العدالة للضحايا، لافتا إلى أن التقدم المحرز مشجع، لذلك فإنهم يؤيدون الجنائية الدولية وجهودها في تحقيق العدالة للشعب الليبي.
الصين
مندوب الصين دعا المحكمة الجنائية الدولية إلى احترام الولاية القضائية الليبية والتنسيق مع السلطات الليبية بشأن سير التحقيقات، مشددا على دعم جهود البعثة الأممية لتهيئة بيئة مناسبة للتسوية السياسية وضرورة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار.
الجزائر
مندوب الجزائر طالب بتوسيع دائرة المساءلة لتشمل الأطراف الخارجية المتورطة في زعزعة الاستقرار، وخرق حظر السلاح، وتجهيز المرتزقة والتمويل غير المشروع، وليس الاقتصار على العناصر المحلية فحسب.
ليبيا
مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني أوضح ترحيب ليبيا بالتقدّم الذي أحرزته المحكمة خلال الأشهر الستة الماضية، مؤكدا أن النيابة العامة الليبية هي صاحبة الولاية القضائية الأساسية في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفق نظام روما.
وأضاف أن مبدأ التكامل بين النيابة الليبية والمحكمة يعني التعاون وتقاسم الأدلة، لا سيما حين تعذر على النيابة القبض على المتهمين.
وعرض السني أرقامًا مفصّلة لجهود النيابة العامة الليبية: التحقيق في 614 قضية تخص المقابر الجماعية في ترهونة، وإصدار 255 قرارًا قضائيًا، وإحالة 220 قضية للمحاكم، ووجود 52 متهماً محبوسين على ذمة التحقيق، إضافةً إلى إصدار 111 أمر ضبط وإحضار.
وأشار إلى وجود خمسة مطلوبين هاربين موجودين في دول أخرى وطالبهم بهم، كما قدّم أكثر من 26 قضية تتعلق بالاتجار بالبشر وتوقيف عشرات المتهمين من جنسيات أجنبية.
تجمع الجلسة بين تفاؤل حذر نتيجة اعتقالات وتقدم تحقيقي ملموس (مثل قضية الهيشري)، وبين تحديات أساسية تتصل بالتعاون الدولي، واحترام الولاية القضائية الوطنية، وإمكانية ملاحقة الفاعلين داخل وخارج ليبيا.
مجلس الأمن والفاعلون الدوليون دعوا إلى مواصلة التعاون التكميلي بين النيابة الليبية والمحكمة الجنائية الدولية، فيما بقيت بعض الدول حذرة أو منتقدة لعمل المحكمة وطريقة تعاملها مع التأثيرات الإقليمية والدولية.
