عمر الككلي
«ما المتعة وما الفائدة التي قد يجدها المرء في قراءة السير الذاتية والمذكرات؟» هكذا تساءل المترجم الأديب فرج الترهوني في مقدمته حينما ترجم مذكرات الألبانية ( ليا يبي ) !!!
ويرى أن الإجابة قد تكمن «في الفضول البشري في الاطلاع على أسرار الآخرين وخصوصياتهم ، وقد تكون أيضا للتعلم وأخذ العبر من خلال إجراء المقارنات» .
هذا «سؤال يتردد كثيرا» مثلما يشير المترجم .. لكنه ، على الجملة ، يثار حول قراءة القصة والرواية والمسرحية والشعر. ودافع الفضول ، الذي أشار إليه المترجم ، ينطبق أيضا على قراءة القصة والرواية والمسرحية ، وأنا أسميه «نزعة التلصص».
وباعتبار السير الذاتية والمذكرات والسير أعمالا سردية لا تخييلية (None fiction) فإنها كثيرا ما تتماس مع الأعمال السردية التخييلية (Fiction) إلى درجة يعسر معها أحيانا التفريق بين الاثنين بسبب الاجتهاد في شكل السيرة والسيرة الذاتية .
تبدأ ليا يبي مذكراتها بالبداية التالية: «لم أسأل نفسي أبدا عن معنى الحرية حتى ذلك اليوم الذي عانقت فيه ستالين». فهذه بداية أقرب إلى بداية قصة أو رواية، لأنها تقحم القارئ في قلب الحدث، ولأنها تبدأ من نقطة ما من مسيرتها العمرية، نقطة تحول مفصلي لتعود بعد ذلك إلى الماضي، وتظل تتنقل، عبر المذكرات ، بين الماضي والحاضر، أي أنها لا تلتزم بمسار خطي للزمن. وهاتان الخصيصتان (وضع القارئ في قلب الحدث مباشرة ، والتأرجح عبر الزمن، من أبرز سمات كتابة القصة والرواية) .
لكن الجانب المهم في مسار حياة صاحبة المذكرات، هو ما أحب أن أسميه «رحلة الوعي»، وهو وعي بالحرية .. فرغم أنها تعيش في ظل نظام شيوعي شمولي متطرف منغلق على نفسه لأنه قطع علاقاته بالعالم الرأسمالي الإمبريالي والشيوعي التحريفي، نظام يصبح فيه الحصول على علبة بيبسي فارغة حدثا متميزا يجعل الحاصل عليها يعاملها كتحفة فنية يتفاخر بها على زواره، ويصبح حصول طفل أو طفلة على غلاف نوع من العلكة (وليس العلكة نفسها) مكسبا جديرا بالتباهي به أمام أقرانه، إضافة إلى الطوابير الطويلة في انتظار الحصول على سلعة أساسية، رغم كل ذلك لم يفارقها الشعور بأنها حرة، ولم تكره النظام وزعيمه «أنور الخوجة».
وحتى بعد أن سقط النظام لم تفرح ولم ينتبها التشفي. أكثر من ذلك، بعد أن كبرت وأصبحت أستاذة جامعة في كلية لندن للاقتصاد تقول «في كل عام ، أبدأ دروس ماركس […] بإخبار طلبتي أن الكثيرين من الناس يعتقدون أن الاشتراكية هي نظرية للعلاقات المادية أو الصراع الطبقي أو العدالة الاقتصادية، لكن في الواقع هناك شيء أكثر جوهرية يجعلها حيوية. أقول لهم إن الاشتراكية هي قبل كل شيء نظرية عن حرية الإنسان، وكيف نفكر في التقدم والتاريخ، وكيف نتكيف مع الظروف، ولكن أيضا كيف نحاول تجاوزها».
وهنا نعود لنربط الشعور بالحرية في جميع الظروف بما سميته «التأرجح في الزمن» في البناء السردي للمذكرات.

___________________**
_ (مذكرات) _ ليا يبِّي . حرة : بلوغ الرشد عند نهاية التاريخ . المترجم _ فرج الترهوني . الطبعة الأولى عن دار الفرجاني 2021 م .
_ نشره القاص عبر السقيفة الليبية مع اختلاف شكلي لا مضموني
