بقلم / حسين المسلاتي
شهدت عدة مدن ليبية يوم الجمعة موجة واسعة من التحركات الشعبية المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية عاجلة، في مشهد يعكس عمق الاحتقان السياسي وتنامي المطالب الشعبية بإنهاء حالة الجمود التي تخيم على البلاد منذ سنوات.
وجاءت الدعوات إلى هذه الاحتجاجات من حراك الوطن، بالتزامن مع سلسلة لقاءات أجراها القائد العام للقوات المسلحة، المشير خليفة حفتر، مع مشايخ وأعيان وحكماء من مختلف المناطق الليبية.
وفي لقاءاته الأخيرة، دعا المشير حفتر ممثلي المكونات الاجتماعية إلى انتزاع حقهم في تقرير مصيرهم، وإطلاق مبادرات محلية قادرة على إنهاء ما وصفه بالعبث السياسي؛ تمهيدا لبناء دولة موحدة ذات سيادة كاملة، مؤكدا أن القوات المسلحة ستتصدى لأي جهة تسعى لعرقلة الإرادة الشعبية أو الوقوف في طريق قرارات الليبيين.
ولفت المشير حفتر إلى ضرورة بناء دولة قوية تعزز مسار التنمية الاقتصادية وتعيد الخدمات الأساسية وتخفف المعاناة المعيشية، مشددا على أن ليبيا قادرة على استعادة مكانتها الإقليمية في حال توفرت الإرادة الوطنية.
وفي استجابة سريعة للحراك الشعبي، أصدر رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، بيانا قال فيه إن خروج الليبيين إلى الشوارع يعكس إرادتهم الحقيقية، مشيرا إلى أن ما يقارب ثلاثة ملايين ناخب مستعدون للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ودعا عقيلة صالح المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى البدء الفوري في تنفيذ القانون الانتخابي الذي أقره مجلس النواب، وإتمام الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن.
من جانبها أكدت المفوضية في بيان منفصل جاهزيتها الفنية واللوجستية لتنظيم الانتخابات الرئاسية والنيابية منتصف أبريل 2026، لكنها اشترطت توفير التمويل المطلوب والاتفاق على الآليات لدعم العملية الانتخابية والإشراف عليها في ظل الحكومتين.
ورغم صدور بيانات رسمية متزامنة، يرى محللون وخبراء في الشأن الليبي أن هذه المواقف لم تترجم إلى خطوات عملية ملموسة، فلم يعلن مجلس النواب عن عقد جلسة طارئة بحضور رئيس المفوضية، ولم تقدم الأخيرة أي جديد لا سيما أن شروطها تحتاج إلى سلسلة طويلة من التوافقات التي يصعب تحقيقها في الوقت الحالي.
ويذهب بعض المراقبين إلى وصف هذه البيانات بأنها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي دون معالجة جذور الأزمة، وهو ما دفع نشطاء “حراك الوطن” إلى التأكيد على استمرار تعبئتهم الشعبية حتى تحديد موعد رسمي وملزم للانتخابات الرئاسية.
تشير التقديرات إلى أن الأسابيع المقبلة قد تشهد توسعا أكبر في رقعة الاحتجاجات، خاصة مع دخول المكونات الاجتماعية والقبلية التي التقاها المشير حفتر مؤخرا على خط الضغط السياسي باتجاه تسريع الاستحقاق الانتخابي.
ويرى متابعون أن استمرار حالة عدم اليقين السياسي، إلى جانب تآكل ثقة الشارع في المؤسسات القائمة، قد يدفع البلاد نحو مرحلة أكثر حساسية، في حال ظل غياب القرارات الملزمة.
وبين حراك شعبي متصاعد ومواقف رسمية لا تزال عند حدود البيانات، يبقى السؤال المهم: هل ستنجح الأطراف السياسية في تحويل هذه الوعود إلى خطوات عملية تفعل المسار السياسي، أم أن ليبيا تقف أمام حلقة جديدة من تدوير الأزمة دون أفق واضح لحلها .
