أثار حديث مؤخر عن عودة نبات السلفيوم في المنطقة الشرقية جدلاً واسعًا، بعد انتشار أخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقناة العربية الحدث عن ظهور النبات في منطقة الجبل الأخضر.
وأكد باحثون زراعيون في تصريحات خاصة لـ “المنصة” أن هذه المزاعم عارية عن الصحة تمامًا، مشيرين إلى أن نبات السلفيوم انقرض منذ أكثر من ألفي عام، وكان ينتشر في المدينة التاريخية قوريني (شحات حاليًا) شرق البلاد.
وأوضح الباحثون أن ما تم العثور عليه مؤخرًا في المنطقة ليس نبات السلفيوم، بل أنواع نباتية مشابهة في الشكل مثل “إدرياس” و”الكلخ”، وهي موجودة ضمن الفلورة الليبية لكنها ليست نفس الفصيلة أو النوع. وأكد المختصون أن تصنيف هذه النباتات يجب أن يتم وفق بروتوكول علمي صارم يتم من خلال خبراء متخصصين.
السلفيوم بين الحقيقة والأسطورة
على الرغم من انقراضه، فإن نبات السلفيوم ظل رمزًا لليبيا، حيث طُبعت صورته على العملات والطوابع البريدية ونُقشت في الأعمدة والميادين العامة، بسبب ارتباطه بمدينة قوريني وخصائصه العلاجية التي اختلطت فيها الحقيقة بالأسطورة.
يعتبر النبات من أبرز موروثات الحضارة الليبية القديمة، وقد أشار إليه العديد من المصادر التاريخية: النقوش والرسومات في المعابد، العملات القديمة، وكتب العلماء القدماء مثل أرسلو.
شغف الإغريق والرومان بالنبات
الأهمية الطبية والاقتصادية لنبات السلفيوم جعلت الإغريق والرومان يقدّرونه بشكل كبير، فقد ورد ذكره في الأساطير الإغريقية على أنه هبة من الإله أريستايوس، ابن الإله أبولو من الحورية قوريني.
وذكره الشاعر أرسطو فانيس في مسرحيته الشعرية “بلوتوس”، كما تناوله أرسطو في كتابه “تاريخ الحيوان”، أما المؤرخ الروماني بليني فقد أشار إلى أهميته الاقتصادية، حيث كان نبات السلفيوم يُخزن في الخزائن العامة مع الذهب والفضة بسبب قيمته العالية.
وجرى استخدام السلفيوم طبيًا في علاج العديد من الأمراض مثل السعال والتهاب البلعوم والحمى وآلام المفاصل، كما استعمل في الطبخ كفاتح للشهية، وفي الصناعات الطبية والزراعية كمسهل ومطهر.
وصف النبات وزراعته
وصف العالم اليوناني ثيوفراستوس النبات بأنه حولي ذو جذور غليظة، ساقه طويلة نسبيًا، أوراقه متدلية على الجانبين، ورأس النبات يتوج بزهرة تشبه التاج.
وكان ينمو في المناطق شبه الصحراوية لقوريني، وليس في الأراضي الزراعية المستصلحة. وكان يُجمع طازجًا أو مجففًا، ويُخلل في الخل، ويستعمل في علاج الحيوانات والأمراض البشرية، ويُعد من أغلى النباتات في الأسواق القديمة.
لغز انقراض السلفيوم
تعد أسباب انقراض السلفيوم من أكثر الألغاز المحيرة، إذ يرى المؤرخون أن الإفراط في جمع النبات لسداد الضرائب الإغريقية، وصعوبة إعادة زراعته في الحقول، إضافة إلى تغير المناخ، كلها عوامل أدت إلى اختفائه تمامًا بحلول القرن الأول الميلادي.
ولعل أبرز الأدلة على ندرته في العصر الروماني، حسب بليني، أن يوليوس قيصر وجد مخزونًا من السلفيوم يبلغ 1500 رطل في الخزينة العمومية، بينما لم يعثر نيرون لاحقًا سوى على ساق واحدة.
الغائب الحاضر
رغم انقراضه، لا يزال السلفيوم حاضرًا رمزيًا في حياة الليبيين، حيث نقش على العملة النحاسية، وزُينت به الساحات العامة، وسمّي به ميدان شهير في بنغازي، ولكن للأسف تعرض النصب المشيد لهذا النبات خلال الحرب 2014–2017 للدمار، وسرقت زهرة السلفيوم من النصب، ولم تُسترجع حتى اليوم.
وقد وجهت مراقبة آثار بنغازي في عام 2018 نداءً لاسترجاع النموذج المسروق من قبل مجهولين، مؤكدة أن النبات رمز تاريخي وثقافي لكل الليبيين، ودعت إلى الحفاظ على الإرث الحضاري الوطني.
يبقى نبات السلفيوم الليبي أسطورة حية في الذاكرة الوطنية، رمزًا للتراث والحضارة الليبية، رغم انقراضه منذ أكثر من ألفي عام. تاريخه العريق وأهميته الاقتصادية والطبية والأسطورية، إلى جانب دوره الرمزي في الثقافة والفنون والعملات، تجعل منه إرثًا لا يُنسى، يذكّر الليبيين دومًا بقوة إرثهم الحضاري وحاجة الأجيال للحفاظ على تراثهم المادي والرمزي على حد سواء.
