معتصم الحواز
مع كل جولة انتخابية نعيشها في ليبيا، نسمع الوعود ذاتها والأحاديث ذاتها والشعارات ذاتها. تتغيّر الأسماء، تتغيّر الصور، وتتغيّر الألوان… لكن يظلّ المواطن تائهاً بين برامج لا يعرف من كتبها ولا من يقدر فعلاً على تنفيذها. ولهذا، ومع اقتراب انتخابات بلدية بنغازي، صار لزاماً علينا أن نقولها بصوت واضح: على كل المترشحين أفراداً أو قوائم أن يقفوا أمام الناس في مناظرات علنية ومباشرة.
نعم… المناظرة هي الامتحان الحقيقي، لا اللافتة ولا فيديو الدعاية.
هي اللحظة اللي يسمع فيها المواطن عقل المترشح قبل أن يرى صورته.
وهي الأداة الوحيدة التي تفرز من يملك مشروعاً ومن يملك كلاماً فقط.
لماذا يجب أن نتوجه للمناظرات الآن؟
لأن بنغازي ثاني أكبر مدينة ليست مدينة بسيطة، ولا احتياجاتها سطحية. الخدمات، البنية التحتية، النزاهة، الأمن المحلي، الإدارة، الميزانيات… كلها ملفات تحتاج وضوحاً وشجاعة وخطة، لا مجاملة ولا علاقات اجتماعية.
والحقيقة أن المناظرات ليست “ترف سياسي” كما يظن البعض؛ بل هي معيار احترام للناخب.
من يرفض المناظرة، يرفض المحاسبة.
ومن يتهرّب منها، يتهرب من كشف قدراته الحقيقية.
من سيقود هذه المناظرات؟
أمامنا ثلاث طرق، وكلها قابلة للتنفيذ:
1. المفوضية الوطنية العليا للانتخابات
يمكنها تنظيم مناظرات رسمية ومحايدة، تُبث للناس وتلزم المترشحين بالحضور. ولو فعلت ذلك، ستمنح العملية الانتخابية ثقة لا تُقدّر بثمن.
2. مفوضية المجتمع المدني
بنغازي مليئة بالمبادرات والناشطين القادرين على إدارة لقاءات جادة وشفافة. هذه المناظرات ستكون أقرب للناس، وأقل تحفّظاً، وأكثر تفاعلاً مع الجمهور.
3. الإعلام التقليدي والرقمي
قناة تلفزيونية… بث مباشر على فيسبوك… قناة يوتيوب… كلها ساحات مفتوحة، وربما الأكثر تأثيراً. لأن المواطن سيشاهد، ويسأل، ويشارك، ويقارن.
ولم يعد من المقبول أن يبقى المترشح بعيداً عن الجمهور بينما نحن في عصر البث المباشر بنقرة واحدة.
المسؤولية هنا مشتركة
المترشحون مسؤولون عن الجرأة في مواجهة أسئلة الناس.
المفوضية العليا للانتخابات مسؤولة عن توفير منصة نزيهة.
مفوضية المجتمع المدني مسؤولة عن دفع هذه الثقافة.
والإعلام مسؤول عن فتح الهواء للجميع بلا استثناء.
لكن المسؤول الأكبر هو المواطن:
هو من يجب أن يطالب بمناظرات.
هو من يجب أن يكافئ الشجاعة بصوته.
كلمة أخيرة…
إن لم تحدث مناظرات، سنبقى ندور في نفس الحلقة:
وعود تتكرر… أسماء تتغير… ومجالس تأتي وتمضي دون أن يعرف الناس لماذا اختاروها أصلاً.
أما إن حدثت، فسنرى لأول مرة من يستحق أن يقود بلدية بحجم بنغازي، ومن يجب أن يغادر المشهد بهدوء.
المناظرات ليست فكرة…
هي خطوة إصلاح.
وهي معيار نضج.
