عصام الصابري
لا تحجبي عني المغيب فإنني
شط يغازل بالمغيب جدائله
وأعي خواتيم الأمور بجلدةٍ
فحصاده يُنبئ بذار أوائله
ما عدت أخشى في الزمان دوائره
قد كنت بل لازلت بعض دلائله

حقا قُراء منصتنا السيرة اليوم لصاحب حروف تنبض فنا زاوج بجنون الفكرة بين أنفاس القصيدة وكلام الألوان وظلال الرؤى البصرية في صحبة التخيل والأحاسيس المعقودة بعنوان هو عصام محمد الصابري مواليدها في 6/11/1965 التي قال عنها :
نسبح علي شطك في عز شتاك ..
ونصقع في عز الصيف وين أنباعد ..
ومازال ريقي فيه طعم بلباك ..
ومازلت عيل في ربيعك قاعد ..
، بنغازي شارع مختار الصابري امتداد سوق الخضّاره عادة أقف لدهشة تعتريني .. عاجزة عن التعبير حينما يبهرني مبدع بقصيدة يلقيها متعايشا أبياتها بل أحرفها .. أو لوحة أعجز عن تفسير كنهها رغم أن تفاصيلها تتغلغلني وألوانها تتماهى مع شيء خفي في روحي .. فكيف بإنسان خُلق الإبداع لأجله فلا أقول مبالغة .. إذ عالمه تعانقت فيه الألوان ومعدات الحفر والتدوير والصقل كأنه ينسج اللوحة أو القطعة المجسمة باعثا فيها تفاصيل حياة يحولها أحاسيس شهية منسجمة مع عدسة التصوير بعين ثالثة ترى أبعُد من أبعاد الأمكنة والشخوص قبل الالتقاطة الذكرى والوعد واللحظة .. قصيدته تلامس الجمال في فنونه الجميلة بتصانيفها تلك .. خاض فعليا رحلته كما ذكرتها لقرائنا هنا .. ويقول إن الإبداع لن يكون مهنة ورحلة الإبداع بين القافية واللون جمع فيها بين الشعر والرسم الفنون البصرية . فتشكل بإنسانيته وشاعريته وتفانين يديه وتهاويم أفكاره المترجمة تارة على ورق وتارة مجسما وثالثة قصيدة فصحى وتارة رابعة كلمات من ( خيوط نيرة ) يحيكها بصنعة حرفي حكاية ليبية مختزلة في أبيات عدة أو كما يكتب ( عبث ) بعد بيتين فقط لكنهما من عمد وقباب وشبابيك عتيدة قوية في قصيدة محكية .. أو بالفصحى
وإنّي إذا ما زرت يوماً مرابعنا
بعد الذي كان من يدري !! أأحتملُ؟



لن أقول عن الصابري إلا جملة ربما تلملم المعنى الذي تبعثر وأنا أبحث في سيرته وكأنني ألج روحه وأدق باب قلبه وأسأله أن افتح عيناك لأرى فيهما من أنت فعليا .. عصام الصابري الزوج المحب لرفيقة درب واعية قادرة على مكابدة حمل أعباء الحياة معك وقادرة على تحمل شطحات فنان شاعر إنسان صديق وأخ وأب وابن بار وأنت الأب العطوف لبنياتك الست المفتخر بهن دررا ثمينة وهبكها الله والجد المحتوي للأحفاد بل والعائلة التي تعدها طريقة مختلفة تتنفس العالم بها وتستوعبه ..



اليوم مرّت من إحدايا …. وما أعرفتني
سمحة كيف ما كانت زمان …. ويمكن أحلى
بس ممكن ما شافتني … أو أنا عجّزت يمكن
والفراق غيّر افشكلي …. وطول مرجايا لوعد اللي أوعدتني …. وانتظرت وما نسيت وهي نستني
قلت ننده اسمها .. وبصوت واطي
وأسمعتني …. بس حتى وين ما عيوني تلاقت
والعيون اللي اسحرتني …. همّدتهن ومشت
وقول عقلي ما أعرفتني



عصام محمد الصابري .. متحصل على دبلوم دراسات مالية 1985 ، كما دبلوم إدارة تصوير سينمائي 2016 ، ودبلوم مونتاج 2017
ومنحت له باقتدار وكفاءة الدكتوراه الفخرية عن جامعة ولدنبورغ انترناشيونال في التصوير الفوتوغرافي 2018 .
بمرارة وعيون تغرورق دمعا متململا بين أن يهجع في بؤبؤهه، أو يهطل كإنسان أرهقة قلبه الشفاف، الأوجاع يروي لنا حكاية اجتثاث عاشها فيقول :
هجرتي إلى مصر مع غروب شمس 30 / يوليو / 2015 تاريخ حفر في ذاكرتي بترك كل شيء وراء ظهري كل شيء بالمعنى الكامل للكلمة في بيت أختي اكتظ المكان بالأقارب تفحصتهم بكل تفاصيل وجوههم التي كساها ألم الفراق أحسست بغصة تعصر قلبي وشعور بالظلم كساني فهذه الهجرة أو التهجير لا أعلم ما تخبئه لي الأيام صحبة بناتي وزوجتي لحظات مرت كدهر لأستقل بعدها السيارة مع غروب الشمس قاصدا مشرقها في اتجاه آخر .. خمسون عاما بكل تفاصيلها أتركها بأفراحها وأتراحها متعتها ومتاعها، يوم لم ولن أعود فيه كما كنت .. حتى عدت في العام 2020 حيث دياري وأهلي .. ورب ضارة نافعة .. فهجرتي كان لها الدور الكبير في صقل الموهبتين الشعرية والفنية وبالطبع ما حدث في بلادي من أحداث أثناء وما بعد العام 2011 م .
في مصر حيث كنت أعيش سخر لي المولى أشخاصا داعمين ومن اهم الأشخاص الداعمين والمؤثرين كان الصديق الناشر الأستاذ فتحي المزين من مصر والذي أدين له بالكثير ، والآن عملي الحالي نعم هو كل ما له علاقة بموهبتي وهناك ما هو قادم ، كما في مصر تشكلت موهبتي الأدبية في كتابة القصة القصيرة حيث أنني لم أنشر أعمالي للآن ولكن .. قصتا ” دروب . وعبرة وعبرة ” صدرتا ضمن مجموعتين قصصيتين من كتاب المعتكف الكتابي الذي أعد أحد مؤسسيه وتجمع الكتب قصصا لعدد من القاصين هما حديث ( الجدران . معتكف 3 / والمربوعة . معتكف 1 ) ، وكانتا بالطبع الهجرة القصرية والشعور بالظلم فجرا في داخلي وترجما كل ما هو ظاهر الآن .



قصة عِبرة وعَبرة _ تأليف عصام الصابري
بينما كان جالسا تحت قدميها وعيناه تتابعان نبضها عبر شاشة معلقة عند رأسها , دخل الطبيب يسبقه ظله عبر باب الغرفة .
همس بصوت مرتعش :
_ هل لي بالتحدث إليك خارجا ؟
شخص ببصره في أخته القابعة على كرسي في الزاوية ترتل آيات من الذكر الحكيم واستجمع قواه وانتصب واقفا يتبع الطبيب عبر باب الغرفة .
التفت إليه الطبيب مطرقا برأسه وقال :
_ آسف توقفت كل وظائف الجسم عن العمل .
_ وهذا النبض ؟ وهذا الشهيق والزفير الذي تظهره الشاشات ؟
_ كل ذلك صناعي , فالكبد قد توقف وكذلك الكلى والرئتان والمخ .. ما عاد يصدر إشارات وحدقة العين جامدة لا تستجيب للضوء .
واسترسل الطبيب قائلا :
_ انتظرنا ثلاثة أيام دون جدوى وجسمها قد تشبع بالسموم ونحن في مثل هذا الوضع , نستأذنك الموافقة على رفع الأجهزة المساعدة من عليها لتستريح من عنائها .
وهو يستمع إلى هذه الكلمات الجامدة التي تعود الأطباء على إلقائها وعقله يحضر مرة ويغيب مرات عبر أكثر من عقدين ونصف من الزمن كانت مليئة بالحب والكفاح , فهي أم لست زهرات تفتقن من غصنها ملأن حياتهما عبقا ونضارة محدثا نفسه ” وهل أنا مخول في أن أسلبها الحياة بجرة قلم ؟ وهل أسامح نفسي وأتعايش مع حياة مجهولة المعالم ؟ وهل أستطيع أن أرفع عيني في بناتي إن فعلت ؟ والأهم هل كانت ستفعل ذلك بي إن انعكست الأدوار ؟ “
أسئلة تحتاج إلى إجابات منه ليحرك أطراف يده على ورق أعطاه له ذلك الطبيب عبر القلم .



شارك الصابري بأعماله الفنية معارض مختلفة خارج الوطن وداخله فكان في :
_ معرض أسير في ساقية الصاوي 2018،
_ معرض مصر أفريقيا في دار الأوبرا المصرية 2019 ،
_ شارك في أكتوبر للعام 2025 بمحاضرة حول كواليس صناعة الإعلانات ضمن مهرجان مينا للغذاء أقيم بأرض المعارض منطقة الكويفية بنغازي _ بالتعاون مع الأستاذ مصطفى الزاوي أعطت ملخصا مهما حول صناعة الإعلان. حاورهما بعد المحاضرة الإعلامي الشاب صالح الأوجلي .. أثنى الحضور على المحاضرة وأكدوا أهميتها لاستيضاح المجال .



_ معارض فنية ضمن فاعليات ومناشط منظمة براح للثقافة والفنون الذي يعد أحد مؤسسيها والمساهمين بأروقتها وإحياء فاعلياتها عبر المرسم التدريبي للموهوبين والأماسي الرمضانية باختلافها .
_ شارك بمسابقة الفن الحلو .. و تحصل على – الترتيب الثاني في عن فئة الرسم : بلوحته (اجتياح) ” لوحة تعبر عن الممارسات العنيفة تجاه المرأة والخوف من البوح بها، في ظل مجتمع يضع اللوم في غالب الأمر عليها.”
(( لوحة اجتياح ))

أختم اليوم بهنّ …. وأبدأ اليوم بهنّ
ولا يطيب الأكل حتى …. يجتمعن كلّهنّ
فالحنان حنهن …. والجمال حسنهن
وإن بدوت اليوم نجما …. فانعكاس بدرهن
فالحياة دون تاء …. أرض بور سمِّهن
إن أصل الأم هن …. ثم إن البنت هن
أم تراك لا ترى …. فيهن إلا حضنهن
وكسرهن …. ودمعهن
هن أقوى منك فاحذر …. فالهلاك كيدهن



سألته أثناء حديث مودة من أولا في حياتك الإبداعية القصيدة أم اللوحة ؟؟ هل تعتقد أن الرموز في كلتيهما تعطي دلالات حقيقية للرائي والسامع ؟؟ ومن وجهة نظرك من يلهم وجدانك لتوليد الاخر ؟ وبسلاسة أسلوبه وصوته الهادئ عادة قال :
الشعر كان أولا لو أردنا أن نقول من الناحية التعبيرية الوجدانية وإن كان هناك محاولات للرسم سبقت الشعر ولكنها كانت سطحية نوعاً ما ، إماً من ناحية الدلالة للمتلقي سواءً أكان سامعاً أم رائياً فما أمسكت ريشتي ولا خططت حرفاً إلا وأردت به البوح بما في جوفي وفي أحيانا كثيرة لا يغني أحدهما عن الآخر أي بمعنى أنا ما أقوله باللون أكون قد عجزت عن التعبير به بالحرف والعكس صحيح ، لذلك غالباً ما ألمس في المتلقي فهم حالتي الوجدانية وقت كتابة النص أو اللوحة ، ولازالت اللوحة أو الصورة كما الموقف تلهم النص لدي .


_ لدى الصابري ابن المدينة الشفاف تجاهها كماء بحر الشابي خصوصية الوصول للعمل الإبداعي الذي لم يعتبره مهنة لكنه فكرة إما أن تلوح فتختمر وتثمر أو تستعصي فلا يتمكن من القبض عليها ولسبر غور هذه الروح المبدعة أردت أن أعرفه والقارئ عن قرب نتغلغلها لنفهم أو لكونه بهدوئه المعهود ظل لغزا عند الجميع ممن يشاركهم المعارض والأماسي والاحتفالات وحتى حين نفذ هو والفنان جمال الشريف والصوت الطروب المطرب والملحن الشاب حمزة عطية أماسي (( كولاج )) التي تحولت بعدها إلى برنامج مرئي عرض في قناة الوسط الفضائية رمضان 2023 م في حلقات ثمانية .. فسألته .. لماذا يتوقف الفنان الذي نشأت بينه وبين رؤاه الفنية علاقة حميمية كماك ؟ وهل من عودة هل يكون بحاجة لحدث أو موقف يهز وجدانه المرهف ليتحرك ناحية فنه من جديد؟ برؤى ما الرموز التي تتكرر في قصائدك ولوحاتك؟ وما معناها بالنسبة لك ؟ قال بتؤدة المفكر بعمق في مآلات الأمور :
منذ ما يقارب الخمس سنين وفي صدري وفكري مزيج من الألوان والصور تأبى يدي الانصياع لها أو قولي تخشى ذلك ، ما نتج عنها بناء جدار بيني وبينها رغم تشكّلها في ذهني كل يوم مرات ومرات ، وينعكس ذلك على النصوص وإن كان بشكل جزئي ، فكما هو ملاحظ وفي كثير من ردود الفعل على نصوصي أنها قصيرة ، ويرجع ذلك رغم غزارة ما في جوفي إلا أنني لا احتمل وطأة الحرف عليَّ ، فما اشعر به حين أكتب يرهقني ويثقل كاهلي لدرجة أنني أختم النص في قمّة تدفقه مخافةً وإشفاقاً على نفسي ، فبعض نصوصي لازالت تبكيني وستظل ، ناهيك عن أعباء الحياة ومحبّطاتها الوجدانية وما نراه من تلاشي للجماليات وعبق الذكريات من حولنا.


مستأنسة ببعادها ؟ …. كذابه
هي مرايفة لبلادها ….. ندابة
أتجامل وتضحك كامدة عبرتها
امفيت سارحه ومودره جرتها
باسل مذاق ايدامها … وامكبلات أيامها
وبروحها افميعادها … وعذابه
مستأنسه ببعادها ؟ … كذّابه
_ دائما ما أتيمن بقول أخي وأستاذي الشاعر عبدالله عبدالمحسن ” الكتابة معاناة والكاتب الصادق يغمس ريشته بمداد الحياة راسما بالحرف الأمل المونق المخضوضر مجسدا رؤاه ” أيناك من هذه المقولة معاناة ضربات فرشاتك وألوانك الشعر وموسيقاه الرؤيا البصرية المختلفة أثناء التصوير .. كيف تنبعث مشاعر للعب هذه الأدوار الإبداعية لديك ؟ هل من انعكاس لأحدها على الآخر بحيث تترجم القصيدة لوحة أو صورة تذكارية .. أو تترجم اللوحة والصورة قصيدة ؟
في اعتقادي أن الشعر و الرسم ليسا ترفاً بقدر ما هما أداة للبوح والتعبير عمّا يختلج في الصدور ، فالكتابة عندي كما الرسم أيضا يفرغني ويتركني خاوياً أجوف تذرع فيّ الرياح الباردة فاتكوّر على ذاتي وان كان جسدي يتصبب عرقاً ويصيبني الإعياء كما لو أنني ركضت لمسافة ليست بالقليلة ، فلتفريغ ما في جعبة الروح نزعٌ وسكرات وترنّح يليه سكينة ، فالنص يمسكني من تلابيب الوجع ويحركني يمنة ويسرة ويفلتني مترنّحا من هول ما وقع أو كاد أن يقع ، كذا اللوحة فما يقال باللون يعجز عنه الحرف أحياناً وهذا ما يجعل اللوحة ملهمة للشعر أكثر منه للوحة .



صدر عن دار الفرجاني كتاب بعنوان «أرض الجرمنت : سوكنة – رحلة العبور إلى البداية» في العام 2025 م من تأليف الباحثين والكاتبين Mohamed Al Trhoni محمد عبد الله الترهوني وحمزة محمود الفلاح ، بمشاركة فنية متميزة من الفنانة التشكيلية شفاء سالم (رسوم ولوحات) .. أما التوثيق للمشاهد وللرحلة عامة فكان بطلها المصور الفوتوغرافي المحترف عصام الصابري كانت مشاركة مهمة بالنسبة للشاعر المصور الفنان صاحب هذه السيرة والمسيرة بين الأنّ والأنين .. لأنه لم يكن زار سوكنه من قبل وعبر الكتاب الذي يقع في 440 صفحة من القطع الكبير وأيام الرحلة بالتأكيد عرفها عن قرب وبتمعن ومعلومات لن تبرح الذاكرة بل لامست وجدانه فكتب :
ما حسبت نلقى سوكنه متوغله فعمق الزمن
وامتوجه بنقوشها وديانها وروس الجبال
ومن الأهمية والعلامة المهمة في حياته الإبداعية أن شارك في كتاب يُعد واحدًا من أبرز الإصدارات الليبية المرتقبة للعام 2026 فهو ليس مجرد عمل بحثي أو توثيقي، بل تجربة متعددة الأبعاد تسعى إلى إعادة اكتشاف حضارة الجرمنت في عمق الصحراء الليبية ، عبر بوابة مدينة سوكنة التي كانت مركزًا حضاريًا وتجاريًا في فزان . حينما كتب السيد غسان الفرجاني صاحب دار الفرجاني التي طبعت الكتاب خصص جزئية تحدث فيها عن البعد البصري الفني فيه فقال ناصفا :
يمثل الجانب الفني أحد أهم ما يميز «أرض الجرمنت»، حيث تقدم الفنانة شفاء سالم رسومات دقيقة ولوحات مستلهمة من النقوش والجداريات الصخرية ، تعيد إحياء الرموز القديمة بروح معاصرة وحساسية تشكيلية عالية. أما المصور عصام الصابري، فيصطحب القارئ بعدسته إلى تضاريس ووديان الصحراء الليبية ، ملتقطًا صورًا تنبض بالشعرية وتحوّل المشهد الطبيعي إلى نص بصري موازٍ للنص المكتوب هذا التزاوج بين الكلمة والصورة واللون يجعل الكتاب عملاً فنياً -أدبياً متكاملاً ، يتجاوز حدود التصنيف التقليدي .


الولد سر أبيه هذا ما استشفيته وأنا أجمع سيرته العطرة شاعرنا عصام الصابري فهو الشاعر لكنه يقول عن محمد الصابري الذي يشبهه كثيرا حتى في الملامح أنه لن يساوي بإبداعه جراما من قيمة والده الشعرية الفذة فهو إلى جانب كونه عصامي مكافح (( محمد صالح الصابري )) كان شاعرا وخطيبا مفوها وكاتبا مهما ضمن صحيفة الوطن لسان حال جمعية عمر المختار الثقافية وهو عضو مؤسس فيها .. مواليد 1921 م أزهري بسبب وفاة والده عام 1937 إبان الحرب العالمية الثانية لم يتم دراسته في الأزهر الشريف ..
تفاصيل واجد بينّا … تحضر وين نذكرها
تحضر مش خيال وطيف … أنا يا بوي ساكرها
أيغيب عقلي على اللي حذاي … وعيني شابعه منّك
ومن فنّك … وكإنّك مليت الكون
ونا كلّي وتفاصيلي … وجرّة شبشبي ع الأرض
ولو واحد يناديلي … نسمع صوتك افردّي … كما المسكون
اتفاجئني فردّة فعل … مني تقول مش منّي … هذي منّك
حتّى ريحتك عندي … بعد تكمل انجيب منها
وين انبح تملاني تفاصيلك … نحضنها ونشكرها
تفاصيلك … تحضر وين نذكرها


درس وعمل كي يسهم في تربية أخواته أتم دراسته حتى الثانوية العامة في المدارس الإيطالية .. عين في بنغازي مسؤولا عن الإحصاء والتعداد ثم تولى رئاسة جامعة بنغازي واستلم من عمادة بلدية بنغازي عن صديقه عبدالوهاب الزنتاني .. أسس أول مصنع وطني للألمونيوم في البلاد فتفرغ له مستقيلا عن كل الأعمال الرسمية التابعة للدولة أواخر السبعينيات حتى تم تأميم مصنعه .. اعتزل كل شيء وقبع في بيته حتى وافته المنية .. والصابري الابن يأخذه الحنين فيقول :
تحلف اتقول امبارح
انجي في مكاناته ونبقى سارح
مازال ريحته
اتقول ما مشى
وتحلف اتقول امبارح



وحينما سمعت من الصابري الابن قصيدة فيها تفاصيل كثيرة عن الميناء وحركة إرساء السفن وبعض المهمات التي لن يعرفها إلا مضطلع أو عامل في الميناء قال إن جده صالح الصابري كان أول ( بلوط ) في ميناء وشرحها ( أي مرشد للسفن )) وهذا فسر لي الصور الحية في قصيدة طلبت منه لحفل تكريم رعيل أول يعمل في الميناء ولأنه كاتب الإحساس لم يشأ أن تكون قصيدته خالية من الروح المتعودة في نتاجه الشعري .. استوقفني ما كتب فكأنه كان يعمل بيديه ويشاهد ويعايش فكتب .. وبالفعل سر آخر أسره أن عصام الصابري الحفيد مع كل عمل خاضه كفاحا في هذه الحياة عمل برهة من الزمن كعامل في الميناء وخاض مهاما كثيرة وقال في قصيدته المفعمة بنبض الروح في جسد تنفس الماضي معايشا لحظاته :
المينا بلاد … المينا أمجاد
المينا أصول وقدر … فيها الكبير بقدره
المينا أغصان وجذر … المينا رفق يضرب الموج بصدره
المينا مبادي راسخه مسمحها … ما اتبان من برا بعد تلمحها
الشغل فيها جد … فيها الرايس رايس
وفيها البحري بحري … امورّثه ما لجد
ما شي فيها حايس … ولا شي ما هو لحد
وامقسمات أدوارهم … والود مالي دارهم
البابور وين ايهل … ايقابله لبلوط عالبوغاز
ويرقا ويمسك دفته … ايركّيه كان وصل
ويرموا مع ليعاز … ويسحبوا الشيمة اتثبّت صفته
ايجوا فالميعاد … وكل حد عارف دوره
البرّاق والعدّاد … وفرك المواني شوره
ويحضروا عمّالها … ايشيلوا ثقيل أحمالها
الحاصل المينا شي متوارث … ما في حصيده كان ما في حارث
واليوم هو يوم الوفا .. يوم الكفا
للي عاش عمره فيها … لقلوب مليانه دفا
حن وعطا … ومعلْمه في ديها … وللي بعمره جاد
الصابري ليس مجرد شاعر مصور وفنان تشكيلي ومجسد لا يشعر بكل ما يكتب ويصور ويشكل إنه الإنسان الذي تموت قطعة من روحه حينما يموت صديق ينكب على حزنه يترجمه كيفما كان له الموقف كتب في الدكتور الملحن صاحب الصوت الشجي تامر العلواني حين فقده الفاجعة (( تي بنغازي عزاها فيك ديمه ديمه .. ماهو كراسي كم يوم وخيمه )) وقال فيه : (( مر البكا بسكات ….. ومر الفراق المفاجي ….. اتلوج بيه نين مرات ….. اتجي شور نيران لاجي )) .

ختاما لسيرته هذه عبارته التي تنم عن تواضع الممتلئ بأشياء من كل شيء .. الواثق من ملامح إبداعه الذي لم يجمع أعماله الشعرية سواء الفصيح أو المحكي بين دفتي كتاب يحمل اسمه ليزين المكتبة الثقافية الليبية .. وقريبا مع حث الصادقين من الرفاق يفعل وتواكب المنصة الليبية الإخبارية مساراته الإبداعية القادمة من عمره المشهود له فيه بعطاء إبداعي مختلف وإن تشابهت الموضوعات الإنسانية … يقول عصام محمد الصابري :
حين تتعثّر جملةً في نصِّك لا تكرهها ، اسمع ماذا تريد أن تقول .
وأنا قد تعثّرت الكثير من الجمل في سرديّة حياتي وأحببت أن تسمعون معي ما أردت قوله

لا تنكسر .. رمم شعورك واستمر
واحضن بكفيك العمر
كم مر في الماضي وكنت تظنه
أن لن يمر .. لا تنكسر
فالبدر جسم معتم .. إن قابل الشمس أسر
كن في الحياة محاربا .. بالعزم في كر وفر
واقنع بما أوتيته .. فاالله .. الله يجزي من شكر
لا تنكسر .
