الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-05

9:23 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-12-05 9:23 صباحًا

قراءة نقدية في الذقن القذرة

خلخلة.jpg2

عزيزة حسن

الذقن القذرة.. قصة للكاتب المهدي جاتو _ عنها كتبت أسطرا مختزلة بإسهاب المعنى في القراءة الكاتبة أريام خليل : يقدّم المهدي جاتو في هذه القصة نموذجًا لقدرته الفريدة على التقاط أعماق اللحظات الإنسانية وتحويلها إلى رموز مكثّفة تكشف ما يختفي خلف الوجوه والظلال. «الذقن القذرة» ليست نصًا عابرًا، بل مرآة كاشفة لمجتمع كامل، وسهم سردي حادّ يضيء تلك الطبقات الصامتة التي تحكم مسارات البشر وتوجّه مخاوفهم. بأسلوبه الأنيق والمشحون بالمعنى، يواصل جاتو تقديم أدب يختصر واقعًا ثقيلًا في مساحة قصيرة، تاركًا أثرًا طويلًا في ذهن القارئ.

____________________

وللكاتبة الناقدة عزيزة حسن رؤية نقدية تتشابة إلى حد كبير ولكن بإسهاب مع تعميق :

الكاتب المهدي جاتو.. ساردٌ يرى العالم من شقوق التفاصيل ….

المهدي جاتو فنان وقاص ليبي يجمع بين الكتابة والفن التشكيلي وصناعة المجسمات. يمتلك حسًّا بصريًا وسرديًا يتيح له تحويل مشهد صغير إلى لوحة رمزية واسعة. كتب أكثر من ستين قصة قصيرة، بعضها منشور مثل الظل، وله حضور ثقافي عبر لقاءات وحوارات من بينها لقاؤه مع مجلة الليبي. كما يُعد أحد مؤسسي مجموعة الأربعاء في مكتبة اليونسكو–سبها، وكتب بخطه الهندسي أعمالًا فنية حملت أسماء وعلام الجنوب.

يمتاز أسلوبه بالتكثيف، والعمق، والرمزية، وهو ما يتجلّى بوضوح في قصته القصيرة المدهشة «الذقن القذرة».

■ نص القصة (الذقن القذرة)

كان الحلاق يمارس مهنته المعهودة، وهو سارحاً مع أفكاره، بينما يحلق ذقن الزعيم، فخاطب نفسه قائلاً: «لو ضللتُ عامًا كاملاً وأنا أنظف هذا الذقن من القذارة التي فيه ما نظف.»

وكان الزعيم قد استشعر تفكيره، فتنحنح لبرهة، مما جعل الشفرة تميل لتخدش الذقن الكثيف. جحظت عينا الزعيم دون أن ينبس، والشرر تطاير منهما…

الحلاق أنهى الحلاقة وذهب من تلقاء نفسه إلى السجن ، وأغلق الباب كالمعتاد.

الزعيم لم يحكمه ، ولم يرحمه، ولم يتفقده، ولم يتذكره… حتى نبتت الذقن القذرة من جديد.

■ قراءة نقدية عميقة في القصة

ذقنٌ لا يمكن تنظيفه.. رمز لفساد متجذّر…

تحضر الذقن القذرة بوصفها استعارة لفساد لا يُغسَل، ولا ينتهي، بل يعود ويتجدد. فهي ليست مجرد شعرٍ كثيف، بل تمثيل لسلطة ملوّثة في جذورها، مهما حاول الآخرون تهذيب مظهرها أو تلميعها من الخارج.

الصمت الذي يحكم.. سلطة تنطق بالعيون…الزعيم لا يعاقب ولا يتكلم، لكنه يكفي أن «يحدّق». نظرة واحدة تحمل قسوة تفوق كل الأحكام والنصوص. هنا تتجلى السلطة التي لا تحتاج إلى سيف أو سجن، لأنها متجذّرة في خوف الآخرين.

السجن الذي ندخله وحدنا…

حين يخدش الحلاق ذقن الزعيم، لا يصرخ الزعيم ولا يأمر. المثير أن الحلاق:

• ينهي الحلاقة ،

• يذهب وحده إلى السجن ،

• ويغلق الباب بنفسه .

إنه نموذج مذهل للإنسان الذي يصنع سجنه بنفسه، بسبب خوف تربّى عليه حتى صار جزءًا من جلده. هنا تصبح السلطة ليست في الخارج ، بل في الداخل.

النسيان.. عقاب أشد من السجن…

الزعيم لم يتذكره. ليس لأنه طيب.. بل لأنه لا يرى فيه قيمة تستحق العقوبة. والنسيان هنا هو أبشع ما يمكن أن يُسقط على إنسان: أن يصبح غير مرئي، بلا أثر، بلا أهمية.

النهاية التي تعيد البداية…

عندما «نبتت الذقن القذرة من جديد»، يكتمل المعنى: دورة الفساد تعود كما هي. لا شيء تغيّر. لا أحد تعلّم. ولا أحد تجرّأ على مواجهة الجذر. إنها دائرة مغلقة، قاسية، تعكس واقعًا سياسيًا واجتماعيًا يُعاد إنتاجه دون توقف.

أسلوب المهدي جاتو.. جمال الكثافة ودهشة البساطة…

ما يميّز هذه القصة هو قدرتها على تقديم عالم كامل في بضعة أسطر: خوف، سلطة، فساد، نفس مهزومة، ونظام يدور حول نفسه. إنها قصة قصيرة في حجمها، لكنها كبيرة في رموزها، تشبه سهمًا صغيرًا يخترق جدارًا كبيرًا.

■ خاتمة ..

«الذقن القذرة» ليست مجرد قصة عن حلاق وزعيم، بل عن مجتمع كامل تنحته السلطة من الداخل، وتعيد تشكيله بالخوف. هي مرآة ساخرة ومرعبة في الوقت ذاته، تكشف كيف يمكن للاستبداد أن يتحوّل إلى عادة يومية، وكيف يصبح الإنسان هو الحارس على سجنه. نصٌ صغير.. لكنه يفتح بابًا كبيرًا على الحقيقة.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications