أثار تحديثٌ جديد أُجري على موقع “المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها” (CDC) موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط الطبية والعلمية، بعد أن غيّر الموقع محتواه المتعلّق بعلاقة اللقاحات بالتوحّد، ليشير في نسخته الجديدة إلى أنّ “الدراسات العلمية لم تستبعد احتمال مساهمة لقاحات الأطفال في تطور التوحّد”، في تناقض واضح مع المعلومات السابقة التي أكدت غياب أي علاقة بين اللقاحات والاضطراب.
ووفق التحديث، الذي جاء بتوجيه من وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي روبرت ف. كينيدي الابن، المعروف بمواقفه المعارضة للتلقيح، شددت الوزارة على أنّ إعادة صياغة المحتوى هدفها “عكس العلم الموثوق والمعتمد على الأدلة”. إلا أنّ هذا التغيير قوبل بانتقادات حادة من قبل منظمات علمية وطبية بارزة، اعتبرته “مضلل” ويعيد إلى الواجهة ادعاءات دُحضت علمياً منذ عقود.
وأصدرت أكثر من 60 منظمة، بينها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال والجمعية الطبية الأمريكية ومؤسسة علوم التوحّد، بيان مشترك أكدت فيه أن الأبحاث الدولية على مدى 25 عامًا خلصت إلى نتيجة ثابتة، اللقاحات لا ترتبط بالتوحّد. كما أوضحت أن عشرات الدراسات المستقلة في سبع دول، شملت أكثر من 5.6 مليون شخص، لم تجد أي علاقة بين مكونات اللقاحات وتشخيص التوحّد.
وقال أستاذ طب الأطفال والأمراض المعدية بجامعة كولورادو ورئيس لجنة الأمراض المعدية في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال الدكتور شون أُوليري، إنّ الربط بين اللقاحات والتوحّد “تم دحضه مراراً” معتبر الأمر “علم محسوم”.
من جانبها، أوضحت الرئيسة التنفيذية للعلوم بمؤسسة علوم التوحّد الدكتورة أليسيا هالاداي، أن البيانات المأخوذة من تجارب واسعة في الدنمارك والسويد وفنلندا وإسرائيل واليابان، لم تُظهر أي رابط بين التطعيم والتوحّد، مؤكدة أن اللقاحات “بُرِّئت بالكامل” كمسبب محتمل.
وفي خطوة إضافية، دعت ثلاثون منظمة معنية بالتوحّد والإعاقة إلى إعادة الموقع إلى نسخته السابقة، محذّرة من تأثير التغيير الجديد على الأهل الذين قد يواجهون التباس حول سلامة اللقاحات، وطالبت بتوجيه الجهود نحو نشر معلومات قائمة على الأدلة العلمية ودعم الأبحاث المتعلقة باحتياجات ذوي التوحّد.
وتعود جذور الادعاءات التي تربط التوحّد باللقاحات إلى دراسة نشرها الطبيب البريطاني أندرو واكفيلد عام 1998، ربط فيها بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والتوحّد، إلا أن الدراسة سُحبت لاحقاً بعد اكتشاف أخطاء منهجية وتضارب مصالح وبيانات ملفقة، كما جُرّد واكفيلد من رخصته الطبية.
ويرى مختصون أن بحث الأهالي عن تفسير لإصابة أطفالهم بالتوحّد ساهم في انتشار هذه الادعاءات، رغم نفيها المتكرر علمياً، مؤكدين الحاجة إلى معلومات دقيقة وشفافة لحماية الصحة العامة ودعم الأسر بعيد عن الخطاب المضلل.
