في أجواء مفعمة بالتفاؤل والبحث عن تجديد المشهد الإعلامي، تواصلت لليوم الثاني فعاليات الدورة الثالثة من “أيام طرابلس الإعلامية 2025” في العاصمة الليبية، بمشاركة أكثر من خمسين مؤسسة إعلامية محلية ودولية، إلى جانب حضور لافت للخبراء والشركات التقنية ومئات الصحفيين والطلبة من مختلف المدن الليبية.
الفعالية التي تنظمها المؤسسة الوطنية للإعلام بالتعاون مع مؤسسات حكومية ومبادرات إعلامية ناشئة، تهدف إلى صناعة مشهد إعلامي حديث يستند إلى المهنية والشفافية، ويواكب التطور المتسارع في إنتاج المحتوى الرقمي.
افتتح الفعاليات رئيس المؤسسة الوطنية للإعلام عبدالرزاق الداهش بكلمة شدّد فيها على أهمية بناء مشهد إعلامي حديث ومسؤول يعكس تطلعات الليبيين ويواكب التحولات المتسارعة في عالم الاتصال، مع التأكيد على دور الإعلام في دعم التنمية وتعزيز ثقافة الانفتاح والمهنية.
وعبّر الداهش خلال كلمته عن تضامن الإعلام الليبي مع زملائهم في غزة، ووصفهم بأنهم “شهداء مهنة البحث عن الحقيقة”.
في ختام كلمته، اختار عبدالرزاق الداهش شعار “التفاؤل” ليكون عنوانًا لمسيرة أيام طرابلس الإعلامية، مؤكدا أن الإعلام رسالة ومسؤولية في خدمة الوطن، وخاطب الإعلاميين قائلاً: “نحن خجلون من دماء الزملاء في غزة”، في إدانة صريحة للعنف الذي طال الصحافيين الفلسطينيين.
شارك في افتتاح الملتقى وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية وليد اللافي، الذي شارك في حلقة نقاشية حول مستقبل المشهد الإعلامي، مؤكداً حرص الدولة على دعم المبادرات الإعلامية الوطنية وفتح المجال أمام حرية التعبير.
وبيّن اللافي أن الملتقى يضم 15 مؤسسة ناشئة من مبادرات ليبية واعدة، وأن مبادرات الدولة تتماشى مع رؤية تدعم الإعلام الحر والمسؤول، مضيفًا أن “الإعلام لا يزدهر إلا بحرية التعبير وصوت مفتوح للجميع”.
وأشار إلى الإقبال الكبير على ورش التكوين، مشيراً إلى مشاركة نحو 1000 طالب من مختلف مناطق ليبيا في ورش العمل، بعد تكدس قوائم التسجيل فور فتح الاستمارة.
وتضمّن البرنامج عناصر تدعم الابتكار الإعلامي والذكاء الاصطناعي، إذ جاء في كلمته (اللافي) أن العاصمة طرابلس تراهن على “الابتكارات والتطبيقات المستثمرة للذكاء الصناعي”، ما يعكس توجهًا لربط الإعلام بالتقنيات الحديثة لتمكين المحتوى الوطني.
وشهد اليوم الأول من فعاليات منتدى ليبيا–إعلام داخل فعاليات أيام طرابلس الإعلامية جلسات نقاشية وعروضًا ومبادرات تقنية، بينما تضمن برنامج الملتقى ورش عمل تطبيقية متخصصة في صناعة المحتوى البصري والرقمي، إعداد البرامج التلفزيونية، الإلقاء الصوتي، إنتاج القصص الرقمية، والفيديو الإخباري الموجّه لمنصات التواصل الاجتماعي.
أما اليوم الثاني فركّز على تقنيات صناعة البودكاست وبناء الدراما التلفزيونية والتحقق من الأخبار والتغطيات الأمنية، فيما خصّص اليوم الثالث لمهارات متقدمة مثل تحقيقات المصادر المفتوحة وإنتاج المحتوى المرئي للبث الرقمي.
وفي إطار فعاليات الملتقى انطلق معرض ليبيا للإعلام الذي استضاف منصات إعلامية محلية وعربية ودولية، بالإضافة إلى شركات تقنية متخصصة عرضت أحدث أدوات الإنتاج الرقمي والتقنيات المستخدمة في صناعة المحتوى والبث المرئي.
وأتاح المعرض للمشاركين الاطلاع على أساليب وتقنيات مبتكرة، ما منح الحضور فرصة للاطلاع على أحدث الحلول الرقمية في الإعلام.
كما اشتمل برنامج أيام طرابلس الإعلامية على ورشات تكوينية يؤطرها صحافيون من مؤسسات إعلامية كبرى، ويشارك فيها طلبة من مختلف أنحاء ليبيا، إلى جانب جلسات حوارية بين الإعلاميين وصنّاع المحتوى حول تطوير الممارسة المهنية.
وتوقعت اللجنة المنظمة أن يشهد الملتقى تسليطًا للضوء على مبادرات شبابية رقمية وتقديم جوائز للإعلام الليبي في أصناف متعددة تعكس مهارات الإنتاج والتحقيق والمحتوى الرقمي.
من باب تعزيز الشفافية والحوار بين الجمهور والسلطة، تضمّن برنامج الملتقى فقرة تحت عنوان “الرئيس يجيب”، ومن المنتظر أن يشارك فيها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة للإجابة عن استفسارات الجمهور، ضمن خطوة لترسيخ التواصل المباشر وتعزيز أطر المحاسبة والحوارات المفتوحة مع المواطنين.
وعرض منظمو الملتقى أيضاً برامج ثقافية مهمة، من أبرزها نقطة مرتبطة بإعادة افتتاح المتحف الوطني الليبي، حيث اعتبر وزير الاتصال أن إعادة افتتاحه ليس مجرد حدث ثقافي أو سياحي فحسب، بل “إعلان عن أن ليبيا مضت في طريق الاستقرار دون رجعة”.
كما تضمنت الفعاليات عروضًا وروابط تعاون مع مبادرات عربية ودولية، وكان لملتقى #أريج 18 في عمّان ذكر في سياق تبادل الخبرات وتكريم صحافيي غزة.
أكد منظمو فعاليات أيام طرابلس الإعلامية أن الملتقى لا يقتصر على التدريب التقني، بل مساحَة لتبادل الرؤى بين خبراء المهنة والعاملين فيها، بما يساهم في تحديث الإعلام الليبي وتعزيز التعاون المحلي والدولي، معتبرين أن التجمع يتماشى مع جهود حكومة الوحدة الوطنية منذ 2021 الرامية إلى تحسين صورة ليبيا داخليًا وخارجيًا، ودعم سعي البلاد نحو الاستقرار والانفتاح الإعلامي.
وأشارت اللجنة المنظمة إلى أن فعاليات الأيام شملت أكثر من خمسين وسيلة إعلامية محلية ودولية، وورش عمل وحوارات متخصصة، ومعرضًا تقنيًا، وجلسات تدريبية متعمقة، وورشًا مخصصة للطلاب، مع رصد جائزة إعلامية في عدة أصناف، معتبرة أن النجاح في نسختها الثالثة مؤشر إيجابي على نمو القطاع الإعلامي الليبي رغم التحديات السياسية والاقتصادية.
تستمر فعاليات أيام طرابلس الإعلامية على مدى الأيام المقبلة، حيث من المنتظر أن تختتم بتوزيع جوائز الإعلام الليبي وتكريم المبادرات والمشروعات الإعلامية الواعدة، وتقديم توصيات عملية لتعزيز المشهد الإعلامي الوطني، وإعلان شراكات مستقبلية بين الجهات المنظمة والمجتمع الإعلامي، على أن تُسهم المخرجات في إرساء أطر مهنية وتقنية جديدة للإعلام الليبي.
