في خطوة رمزية تعكس الاهتمام بالتاريخ البحري الليبي وترسيخ الموروث الوطني، خصص المتحف الليبي جانبا خاصًا لتسليط الضوء على حادثة أسر الفرقاطة الأمريكية USS Philadelphia في 31 أكتوبر 1803.

هذا الحدث التاريخي يعد أحد أبرز الملاحم التي أثبتت شجاعة البحارة الليبيين وقدرتهم على مواجهة الهيمنة الأجنبية، ويشكل جزءًا من ذاكرة ليبيا البحرية التي تستحق التوثيق والتعريف بها للأجيال القادمة.


وتعود قصة USS Philadelphia إلى الصراع البحري بين ولاية طرابلس والولايات المتحدة، بعد أن رفضت الأخيرة دفع الإتاوة السنوية مقابل مرور سفنها في مياه المتوسط بسلام، ما دفع يوسف باشا القره مانلي، حاكم طرابلس آنذاك، لإعلان الحرب على الولايات المتحدة. وأرسل الأسطول الأمريكي بقيادة الأدميرال ريتشارد ديل فرقاطة Philadelphia المزودة بـ44 مدفعًا لمواجهة طرابلس.
في خطوة حاسمة، قاد البحارة الليبيون بقيادة الريس زريق عدة مراكب شراعية صغيرة لاستدراج الفرقاطة الأمريكية إلى مياه صخرية ضحلة قرب طرابلس، حيث علقت السفينة وشُلّت حركتها بالكامل. وتمكنت البحرية الليبية من أسر 307 بحارًا أمريكيًا، وفرضت الإقامة الجبرية على الضباط بالقنصلية الأمريكية، بينما اُستخدم البحارة الآخرون في الأعمال الشاقة حتى نهاية الحرب.

ردت الولايات المتحدة بمحاولات متكررة لاستعادة السفينة، أبرزها العملية التي قادها الملازم ستيفن ديكاتور في فبراير 1804 على متن السفينة USS Intrepid، حيث تمكنت القوات الأمريكية من إشعال النيران في السفينة، لكنها لم تنجح في تدميرها بالكامل. وأسفرت هذه المحاولة عن مقتل خمسة بحارة أمريكيين دفنوا في مقبرة شط الهنشير شرق طرابلس.
وفي نهاية المطاف، أفضت التوترات إلى توقيع اتفاقية طرابلس في 10 يونيو 1805، التي نصت على انسحاب القوات الأمريكية، وتبادل الأسرى، والتزام الولايات المتحدة بدفع إتاوة سنوية مقابل حماية مرور سفنها، وهو ما استمر حتى عام 1812.
ويظل ساري USS Philadelphia معروضًا في السرايا الحمراء بطربلس، شاهدًا على هذه الملحمة البحرية، بينما تُذكر الحادثة في التاريخ الأمريكي أيضًا، إذ ألهمت نشيد مشاة البحرية الأمريكية بالإشارة لهذه المواجهة الفاشلة في المتوسط.

تجسد هذه الواقعة الخالدة شجاعة البحارة الليبيين، وتؤكد أن التاريخ البحري للبلاد مليء بالمواقف البطولية التي استمرت في التأثير على الذاكرة الوطنية حتى اليوم.
ويأتي افتتاح المتحف لتجسيد هذه الملحمة التاريخية وتذكير الزوار بدور ليبيا في صون سيادتها وكرامتها على مدى العصور.
كما يمثل المتحف منصة تعليمية وثقافية تعزز الوعي بتاريخ الوطن، وتربط بين الماضي البطولي والهوية الوطنية، مؤكدة أن الأحداث التاريخية ليست مجرد وقائع من الماضي، بل دروس حية يمكن للأجيال الاستفادة منها في حماية استقلال بلادهم والسيادة الوطنية.
