أبدى عدد من الشخصيات الليبية تباينًا في المواقف إزاء مسار «الحوار المهيكل» الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بين من يرى فيه فرصة لإعادة الزخم للعملية السياسية، ومن يحذر من أن يلقى مصير مبادرات سابقة لم تنهِ حالة الانسداد السياسي المستمرة.
وقال عضو اللجنة الاستشارية، إبراهيم قرادة، في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط»، إن رفض القوى الليبية المتنفذة التعاطي مع مخرجات الحوار المهيكل قد يدفع البعثة الأممية إلى خيارات بديلة، من بينها تشكيل مجلس تأسيسي جديد يتولى إعداد المسار الانتخابي وتشكيل حكومة موحدة.
واعتبر قرادة أن الحوار يمثل منصة لتوسيع دائرة التشاور، ويمكن البناء عليه لصياغة تفاهمات ليبية تعيد الزخم إلى خارطة الطريق الأممية.
وأوضح قرادة أن مخرجات الحوار، رغم عدم إلزاميتها، قد تكتسب قوة دفع شعبية في حال صدرت توصيات واضحة من شخصيات ليبية وازنة، ما قد يشجع البعثة على اعتمادها.
وأضاف أن إشراك طيف واسع من الفاعلين من شأنه الحد من احتكار القوى المستفيدة من الوضع القائم للعملية السياسية، مشيرًا إلى أن المعيار الحقيقي لجدية المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة، يتمثل في تبني نتائج الحوار وحث الأطراف الليبية على التفاعل مع خريطة تستهدف إجراء انتخابات خلال 18 شهرًا.
في المقابل، عبّر عضو مجلس الدولة الاستشاري، علي السويح، عن تشككه في جدوى الحوار المهيكل، محذرًا من أن يلقى المصير نفسه الذي آلت إليه مبادرات سابقة. وقال السويح إن الدعم الدولي للخريطة الأممية لا يزال «شكليًا»، متسائلًا عن جدوى حوار غير ملزم لا يعالج جوهر الانقسام الحكومي القائم في البلاد.
وأكد السويح أن ليبيا بحاجة إلى توافق دولي جاد يضغط على الأطراف المتنفذة شرقًا وغربًا للتعاطي مع الخطة الأممية، بما يمهد لإجراء الانتخابات ويحد من نفوذ شبكات الفساد.
وانتقد تركيز الحوار على ملفات الحوكمة والاقتصاد والمصالحة الوطنية والأمن، معتبرًا أنها قضايا «مشخَّصة منذ سنوات» دون أن تُترجم إلى حلول عملية، مشيرًا إلى غياب الشفافية وعدم إعلان أسماء المشاركين، ومؤكدًا أن شبهة فساد واحدة كفيلة بتقويض مصداقية الحوار.
فيما رأى النائب الثاني لرئيس مجلس الدولة موسى فرج، في تصريحات لـ”قناة ليبيا الأحرار”، أن الحوار المهيكل يتكون من 120 عضوًا مقسمين على 4 ملفات والمجلسان سيشاركان بـ4 أعضاء لكل مجلس
وأشار فرج إلى أن البعثة الأممية هي من اختارت ممثلي مجلسي النواب والدولة في الحوار المهيكل، منبها إلى أن ما سينتج عن الحوار المهيكل ليست قرارات بل توصيات غير ملزمة.
من جانبها أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا استكمال تشكيل الحوار المُهيكل، مؤكدة انطلاق أولى اجتماعاته رسميًا ابتداءً من اليوم الأحد 14 ديسمبر في العاصمة طرابلس ولمدة يومين، باعتباره أحد العناصر الأساسية الثلاثة في خارطة الطريق السياسية، إلى جانب اعتماد إطار انتخابي سليم فنيًا وقابل للتطبيق.
وأوضحت البعثة في بيانها أن الحوار المُهيكل يهدف إلى توسيع دائرة المشاركة الليبية في صياغة العملية السياسية، وتقديم توصيات عملية من شأنها المساعدة في تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات، ومعالجة التحديات العاجلة المرتبطة بالسياسات العامة والحوكمة. وأضافت أن عملية اختيار الأعضاء استندت إلى معايير واضحة وموضوعية، شملت النزاهة والمصداقية والخبرة، وعدم التورط في انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد أو خطاب الكراهية.
وبيّنت البعثة أن أكثر من ألف شخص من مختلف أنحاء ليبيا أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى الحوار، جرى اختيار غالبيتهم من بين المرشحين الذين قدمتهم البلديات والأحزاب السياسية والجامعات والمؤسسات الفنية والأمنية والمكونات الثقافية، مع استكمال العضوية لضمان الشمول والتمثيل المتوازن. وتعكس التشكيلة النهائية تنوعًا جغرافيًا واجتماعيًا وسياسيًا واسعًا، مع تمثيل لا يقل عن 35% من النساء، إضافة إلى تمثيل الشباب والأشخاص ذوي الإعاقة ومختلف التيارات السياسية والثقافية.
وفي هذا السياق، دعت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، أعضاء الحوار المُهيكل إلى التحلي بالنزاهة والروح التوافقية، مؤكدة أن نجاح هذه العملية يتطلب وضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار. وقالت إن اختيار أعضاء الحوار جاء ليعكس تنوع وحيوية المجتمع الليبي، وهو أمر أساسي لبناء التوافق اللازم لمعالجة دوافع النزاع ورسم مستقبل أفضل للبلاد.
وأكدت تيتيه تقديرها للاهتمام الشعبي الواسع بالحوار المُهيكل، مشددة على أن بناء ليبيا تنعم بالسلام والديمقراطية يعتمد على مشاركة الجميع، وليس فقط من يجلسون على طاولة الحوار. كما أشارت إلى استمرار إتاحة الفرص أمام المواطنين للمشاركة وإبداء آرائهم، من خلال المشاورات المباشرة والافتراضية والاستبيانات الإلكترونية، إضافة إلى إنشاء تجمع نسائي ومنصة رقمية للشباب لتعزيز مشاركتهم الفاعلة في هذه العملية السياسية.
وتأتي هذه المواقف في وقت تسعى فيه بعثة الأمم المتحدة إلى إطلاق مسار سياسي جديد يهدف إلى كسر الجمود القائم وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات، وسط استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي، وتباين الرؤى حول فرص نجاح أي مبادرة أممية جديدة في ظل غياب التزامات ملزمة وضغوط دولية فاعلة.
