أكد رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح أن مجلس النواب لن يُقرّ أي اتفاقية تتعلق بترسيم الحدود البحرية لليبيا ما لم تمر عبر القنوات القانونية والدستورية المعتمدة، مشددًا على أن الاتفاقية البحرية الموقعة بين حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج وتركيا تُعد باطلة من الناحية الدستورية والقانونية، لكونها لم تُعرض على البرلمان ولم تصدر عن حكومة نالت ثقة السلطة التشريعية.
وفي مقابلة خاصّة مع وكالة الأنباء الليبية (وال)، أوضح المستشار عقيلة صالح أن حكومة السراج لم تكن تمثل الإرادة الشعبية، ولم تحظ بثقة مجلس النواب، وبالتالي لا تملك الأهلية القانونية لتوقيع اتفاقيات دولية مصيرية، معتبرًا أن “ما يُبنى على باطل يبقى باطلًا”، مهما طال الزمن.
وأشار رئيس مجلس النواب إلى أن المجتمع الدولي يدرك هذه الحقيقة، حتى وإن حاولت بعض الأطراف التعامل مع الاتفاقية كأمر واقع لأسباب سياسية، مؤكدًا أن أي اتفاق لا يحظى بمصادقة البرلمان لا يُلزم الدولة الليبية ولا يُرتّب آثارًا قانونية عليها.
فرصة جديدة لليبيا في شرق المتوسط
ورأى المستشار عقيلة صالح أن ليبيا تقف اليوم أمام فرصة جديدة لإعادة صياغة موقعها البحري في شرق البحر المتوسط، ضمن إطار تفاوضي أوسع يشمل مصر واليونان وتركيا، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة يجب أن تكون “مرحلة تفاهمات لا صدامات”، وأن السيادة الليبية على مياهها الإقليمية “خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التفريط فيه”.
وأوضح أن مجلس النواب لا يعارض مبدأ التفاوض أو إبرام اتفاقيات مع أي دولة، بما في ذلك تركيا، شريطة أن يتم ذلك وفق مسار مؤسسي واضح يبدأ بالدراسات الفنية والقانونية التي يعدّها الخبراء، ثم تُحال إلى حكومة شرعية معتمدة، لتقوم بدورها بإحالة الاتفاق إلى مجلس النواب للمصادقة عليه.
مواقف دولية متباينة وحوار مطلوب
وحول ردود الفعل الدولية، قال رئيس مجلس النواب إن المواقف انقسمت بين دول تدرك عدم شرعية الاتفاقية، وأخرى تعاملت معها سياسيًا كأمر واقع، مشيرًا إلى أن اليونان اعترضت عليها بشدة في البداية، بينما كان موقف مصر واضحًا منذ اللحظة الأولى، معتبرًا أن الاتفاق لا يخدم استقرار المنطقة، في حين أبدت تركيا استعدادها للدخول في حوار شامل مع ليبيا.
وأكد أن العالم يتجه اليوم نحو منطق الحوار، وهو ما تسعى إليه ليبيا، بعيدًا عن سياسة المحاور أو الاصطفافات الإقليمية.
جزيرة كريت وحدود الترسيم
وتطرق المستشار عقيلة صالح إلى الخلاف القائم مع اليونان بشأن اعتماد بعض الجزر، وعلى رأسها جزيرة كريت، كأساس لترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، موضحًا أن هذه الجزر قريبة من السواحل الليبية ولا يجوز أن تمنح اليونان امتدادًا بحريًا واسعًا على حساب ليبيا، معتبرًا أن القانون الدولي لا يدعم مثل هذه التوسعات.
وأشار إلى أن مجلس النواب كلف لجنة من الخبراء الفنيين والقانونيين لدراسة هذا الملف بدقة، وإعداد تقرير شامل يغطي الجوانب الجغرافية والقانونية والجيوسياسية مع جميع الدول المعنية.
ليبيا دولة مستقلة وليست طرفًا تابعًا
وردًا على الحديث عن اضطرار ليبيا للاختيار بين محور مصر – اليونان أو محور تركيا، شدد رئيس مجلس النواب على أن ليبيا دولة مستقلة، وليست تابعة لأي محور، وأن علاقاتها يجب أن تُبنى على أساس المصلحة الوطنية والسيادة، لا على منطق الانحياز الكامل لأي طرف.
وقال إن الحوار مع مصر مهم بحكم الجوار والأمن الإقليمي، ومع اليونان بحكم المصالح المتوسطية، ومع تركيا باعتبارها دولة ذات وزن في المنطقة، لكن دون المساس باستقلال القرار الليبي.
السيادة غير قابلة للتنازل
وأكد المستشار عقيلة صالح أن مسألة السيادة غير قابلة للتفاوض أو التنازل، مشيرًا إلى أن ما يمكن بحثه يقتصر على الترتيبات الفنية والتنسيق القانوني، دون المساس بحدود ليبيا البحرية أو حقوقها السيادية.
وأوضح أن الحوار المرتقب مع الدول المعنية يجب أن يتم على ثلاثة مستويات: فني لرسم الحدود بدقة، وقانوني لدراسة المعايير والاتفاقيات الدولية، وسياسي لضمان توازن المصالح، بما يفضي إلى اتفاق عادل ومستدام.
وفيما يتعلق بالتوتر الداخلي حول هذا الملف، أرجع رئيس مجلس النواب ذلك إلى نقص المعلومات، مؤكدًا أن المجلس يعتمد مبدأ الشفافية الكاملة، وأن أي اتفاق أو وثيقة ستُعرض على مجلس النواب لمناقشتها علنًا، دون صفقات أو تفاهمات خلف الأبواب المغلقة.
رسالة إلى الليبيين
ووجّه المستشار عقيلة صالح رسالة طمأنة إلى الليبيين، مؤكدًا أن مجلس النواب لن يقبل إلا بما يحمي البلاد ويصون حقوقها، وأن القرارات تُتخذ بالعقل والعلم والمصلحة الوطنية، لا بالعاطفة أو الحسابات الضيقة.
واختتم صالح حديثه بالتأكيد على أن ليبيا أمام فرصة حقيقية لإعادة بناء سياستها البحرية في شرق المتوسط، وأن البرلمان سيبقى “الدرع التشريعي” الذي يحمي سيادة الدولة وحقوق الشعب الليبي.
يُذكر أن الاتفاقية البحرية بين حكومة الوفاق السابقة وتركيا وُقّعت في نوفمبر 2019 ضمن مذكرة تفاهم ثنائية، وأثارت اعتراضًا واسعًا داخل ليبيا وخارجها، لعدم اعتمادها من مجلس النواب، ولما ترتب عليها من خلافات إقليمية مع مصر واليونان، وسط انقسام دولي حول شرعيتها، الأمر الذي أعاد الملف إلى الواجهة في ظل التحولات الإقليمية الراهنة.
