تُعدّ اللغة العربية واحدة من أكثر لغات العالم انتشارًا وحضورًا داخل منظومة الأمم المتحدة، إذ تشير بيانات منظمة اليونسكو إلى أن عدد الناطقين بها يتراوح بين 400 و450 مليون نسمة من سكان المعمورة، ما يجعلها من اللغات الأكثر استخدامًا يوميًا على المستوى الدولي. ويعكس هذا الرقم الثقل الديمغرافي والثقافي الذي تتمتع به العربية في المشهد العالمي.
وتحظى اللغة العربية بمكانة رسمية داخل منظومة الأمم المتحدة، باعتبارها إحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة في المنظمة، وهو اعتراف دولي بدورها كلغة تواصل دبلوماسي وثقافي، وأداة لنقل المعرفة وتعزيز التنوع اللغوي داخل المؤسسات الدولية.
ولا يقتصر تأثير اللغة العربية على عدد المتحدثين بها، إذ تُظهر دراسات لغوية معتمدة لدى اليونسكو أن العربية أسهمت تاريخيًا في إثراء مفردات أكثر من خمسين لغة محكية حول العالم، نتيجة التفاعل الحضاري والتجاري والعلمي بين العرب وشعوب مناطق واسعة في آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وفي مجال التراث والثقافة، تبرز اللغة العربية بوصفها عنصرًا فاعلًا في الفنون، حيث أدرجت اليونسكو الخط العربي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، بمشاركة ست عشرة دولة عربية في ملف الترشيح، تأكيدًا على قيمته الفنية والجمالية ودوره في التعبير عن الهوية الثقافية العربية.
وتعمل اليونسكو، منذ عام 2016، على تنفيذ برنامج خاص لدعم اللغة العربية داخل المنظمة، بالتعاون مع مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، يهدف إلى تعزيز إنتاج المعارف باللغة العربية، ودعم المحتوى الرقمي، وتطوير الممارسات التعليمية والإعلامية المرتبطة بها. وقد بلغت قيمة الشراكة الأولية لهذا البرنامج نحو خمسة ملايين دولار أمريكي، خُصصت لدعم المبادرات المعرفية والثقافية ذات الصلة.
وفي السياق المؤسسي، تواصل اليونسكو تعزيز حضور اللغة العربية من خلال ترجمة الوثائق الأساسية والمحتوى الرسمي إلى العربية، إضافة إلى توفير خدمات الترجمة الفورية خلال المؤتمرات والاجتماعات الدولية، بما يضمن وصول المعرفة والمعلومات إلى المجتمعات الناطقة بالعربية بلغتها الأم.
ورغم هذا الحضور المؤسسي، تكشف بيانات دولية عن تحديات تواجه اللغة العربية في الفضاء الرقمي، حيث تُهيمن عشر لغات فقط على نحو 76.9 في المئة من محتوى الإنترنت العالمي، وهو ما يسلط الضوء على الفجوة الرقمية التي تعاني منها العربية مقارنة بعدد متحدثيها، ويدفع اليونسكو إلى تشجيع المبادرات الرامية إلى توسيع المحتوى الرقمي العربي.
وفي مجال الفنون والإبداع، تؤكد تقارير اليونسكو أن اللغة العربية تُعد محركًا أساسيًا للإنتاج الثقافي والفني في المنطقة العربية، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالشعر والموسيقى والمسرح والفنون البصرية، إضافة إلى الفنون الرقمية المعاصرة. كما تنظر المنظمة إلى العربية بوصفها جسرًا ثقافيًا يربط بين الشعوب، ويسهم في تعزيز الحوار الإبداعي وتبادل المعارف الفنية والأدبية عالميًا.
وتؤكد اليونسكو على صون التراث الثقافي غير المادي، الذي يشمل أشكال التعبير المرتبطة باللغة العربية مثل الشعر، والغناء، والموسيقى، والخط، وغيرها من الفنون التي تشكّل جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية العربية والإنسانية.
