ما زالت عادة دقّ القمح والشعير تحافظ على حضورها في عدد من مناطق الجنوب الليبي، بوصفها إحدى العادات التراثية المرتبطة بالحياة الريفية والغذاء التقليدي، رغم تغيّر أنماط المعيشة وتسارع وتيرة الحداثة، ففي بلدة غدوة، تستمر هذه الممارسة كجزء من الذاكرة الشعبية التي تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.
وفي حديث للمنصة الليبية، استعرضت إحدى منتسبات مؤسسة السعفية والحرف اليدوية بغدوة فاطمة السنوسي، تفاصيل هذه العادة كما عاشتها الأسر في الماضي، موضحة أن دقّ القمح والشعير لم يكن مجرد وسيلة لتحضير الغذاء، بل مناسبة اجتماعية جامعة تعبّر عن روح التعاون والانتماء، حيث كانت النساء يجتمعن في يوم مخصص لهذه العملية، يتقاسمن العمل ويرددن الأهازيج والأغاني الشعبية في أجواء احتفالية.
وتشير السنوسي إلى أنّ ارتباطها بتحضير القمح والشعير لاستخدامهما في عدد من الأكلات الشعبية المعروفة في الجنوب، مؤكدة أن الدقّ يمثل مرحلة أساسية في تجهيز الحبوب، ويعكس اعتماد سكان المنطقة على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء.
وتُعد هذه العادة دليل على عمق التراث الزراعي في الجنوب الليبي، حيث يحتل القمح والشعير مكانة محورية في المطبخ الشعبي، فيما تعكس الأهازيج الجماعية التي ترافق عملية الدقّ مظاهر التلاحم الاجتماعي والعمل المشترك.
ولا يزال دقّ القمح والشعير يُنظر إليه بوصفه أكثر من نشاط يومي، إذ يجسد موروث ثقافي يعبر عن بساطة العيش، واحترام الأرض، وقيمة التعاون داخل المجتمع، محافظ على مكانته كأحد رموز الهوية الشعبية في الجنوب الليبي.
