يتابع مجلس الأمن الدولي التطورات السياسية والأمنية في ليبيا عن كثب، مع التركيز على ضرورة الخروج من الأزمة المستمرة عبر مسار ديمقراطي شفاف.
وقد أدلت عدة دول أعضاء، بما في ذلك روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا والجزائر، بملاحظاتها حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية، توحيد المؤسسات، وحماية سيادة الدولة، واتفق المندوبون على أهمية تنفيذ خارطة الطريق الأممية، وضمان مشاركة جميع الأطراف الليبية في الحوار، وتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بحظر توريد الأسلحة والشفافية الاقتصادية، مع التأكيد على أن أي تأجيل للانتخابات أو استمرار الانقسامات السياسية يزيد من هشاشة البلاد ويعطل استقرارها.
البعثة الأممية
أكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، أن العملية السياسية الليبية لا ينبغي أن تظل رهينة تقاعس أصحاب المصلحة الرئيسيين أو التمسك بالوضع الراهن، مشددة على ضرورة الاستجابة لمطالب الشعب الليبي وتجاوز الخلافات من أجل وحدة الدولة وسلامتها وتحقيق الاستقرار والرفاه.
وأوضحت تيتيه، في إحاطتها أمام مجلس الأمن، أن البعثة تعمل وفق الميزانية المتاحة وتسعى إلى زيادة حضورها في شرق ليبيا، إلى جانب إنشاء قسم اقتصادي مخصص داخل البعثة، لافتة إلى أن مجلسي النواب والدولة لم يتفقا حتى الآن على المراحل الأساسية لخارطة الطريق، وأن إطلاق “الحوار المهيكل” يهدف إلى إيجاد المسار الأنجع للمضي قدمًا في الخطوتين الأوليين، على أن تُعرض الآلية المقترحة في إحاطتها المقبلة خلال فبراير.
وفي الشأن الحقوقي، أعربت تيتيه عن قلق بالغ إزاء انتهاكات حقوق الإنسان، مشيرة إلى رصد مقتل مواطن ليبي في المنطقة الشرقية عقب تعرضه للتعذيب أثناء الاحتجاز، ما يرفع عدد الوفيات المؤكدة في مراكز الاحتجاز إلى 24 حالة خلال الفترة من مارس إلى نوفمبر، محذّرة من اتساع نطاق القتل أثناء الاحتجاز وغياب المساءلة.
كما أدانت مقتل الناشطة والمدونة الخنساء مجاهد، معتبرة أن الحادثة تبعث برسالة مخيفة للنساء بشأن المشاركة في الحياة العامة، وداعية إلى تحقيق نزيه وشفاف.
وعلى الصعيد الاقتصادي، حذرت تيتيه من أن التفكك المالي المستمر يفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي ويقوض الثقة في الدينار الليبي ومؤسسات الدولة، مرحبة في المقابل باتفاق مجلسي النواب والدولة على إنفاق تنموي موحد، واعتبرته خطوة إيجابية إذا طُبّق بشفافية ووفق المعايير الدولية، مع الدعوة إلى التوافق على ميزانية عامة موحدة.
كما رحبت بإجراء الانتخابات البلدية بنجاح في بلديات كانت متوقفة سابقًا، معتبرة ذلك خطوة مهمة نحو استعادة شرعية الحكم المحلي وتحفيز المسار نحو الانتخابات الوطنية.
وفي الملف الأمني، أشارت إلى تحسن نسبي في الوضع بطرابلس مع استمرار هشاشة الأوضاع في غرب البلاد، داعية الأطراف إلى التعاون لتنفيذ الإصلاحات اللازمة وضمان الاستقرار، والعمل على نهج موحد بين الجيش الوطني وحكومة الوحدة الوطنية في مجالي التعاون الأمني والعسكري.
وأكدت أن الحوار المهيكل، الذي يضم 140 شخصية تمثل طيفًا واسعًا من المجتمع الليبي مع ضمان تمثيل النساء والشباب وذوي الإعاقة، يسير بالتوازي مع المسارات الأخرى لخارطة الطريق، ويهدف إلى تقديم توصيات شاملة حول الحكم والاقتصاد والأمن والمصالحة وبناء الدولة، تمهيدًا لتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات ذات مصداقية.
لجنة الجزاءات
من جانبه قال مندوب الصومال ممثلاً عن لجنة الجزاءات في مجلس الأمن الدولي إن اللجنة تلقت طلبًا لإعفاء شخص واحد من حظر السفر في لبنان لأغراض إنسانية، مشيرًا إلى أن الطلب لا يزال قيد الدراسة.
وأضاف المندوب أن اللجنة استمعت إلى عرض حول تقرير الخبراء المقدم في سبتمبر الماضي، والذي ركز على الأعمال التي تهدد السلم والأمن، وحظر توريد الأسلحة، ومنع صادرات النفط غير المشروعة. وأوضح أن اللجنة تنظر حاليًا في اتخاذ إجراءات متابعة بشأن إحدى توصيات التقرير المؤقت.
وأشار إلى مناقشة إمكانية زيارة محتملة إلى ليبيا، مؤكداً استعداده لمتابعة هذا الأمر مع أعضاء اللجنة خلال الأسابيع والأشهر القادمة.
كما تلقت اللجنة تقارير عن عمليات تفتيش لسفن في البحر الأبيض المتوسط، نفذتها عملية “إيريني” والبحرية الإسبانية، وطلبت مراجعة ما تم مصادرته فيها، إضافة إلى تقرير عن هيكل قوات الأمن الليبية لضمان تطبيق حظر توريد الأسلحة بشكل صحيح.
وأوضح المندوب أن البحرين تقدمت بعدة طلبات لفك تجميد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار، في حين تلقت اللجنة طلبًا من ليبيا لرفع اسم شخص من قائمة الجزاءات، لكنه لم يُوافق عليه بعد، كما توجد طلبات إعفاء أخرى من المملكة المتحدة وإيطاليا لا تزال قيد النظر.
مندوب ليبيا
في المقابل طالب مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، الطاهر السني، بضرورة رفع أسماء عدد من المواطنين الليبيين من قائمة العقوبات الدولية، مشيرًا إلى أن الأسباب الموجبة لها لم تعد قائمة منذ أكثر من 15 عامًا، مؤكدًا أن هذا الملف يجب ألا يُسيّس أكثر من ذلك.
وأكد السني على أهمية احترام المرجعيات الحاكمة في أي حوار سياسي، بما في ذلك الحوار المهيكل، محذرًا من ترك أي ثغرات قد تُطيل المرحلة الانتقالية التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية.
وشدد على ضرورة خروج جميع الأجسام السياسية الحالية من المشهد السياسي عبر انتخابات نزيهة وشفافة، لتجنب تكرار أخطاء الماضي والاعتماد على حلول جزئية غير فعالة.
وأشار إلى ضرورة معالجة الوضع القانوني لمفوضية الانتخابات وإجراء التوافق على تغيير مجلس المفوضية، أو إيجاد بديل مقنع في حال تعذر ذلك، لضمان نجاح العملية الانتخابية وفق قوانين عادلة وبدون إقصاء أي طرف.
وأوضح السني أن ليبيا ما زالت تعيش أزمة سياسية بالدرجة الأولى، وأن الليبيين أصبحوا فريسة للتدخلات الخارجية وصراعات القوى الكبرى، مؤكدًا تطلعهم للخروج من الأزمة عبر مسار ديمقراطي حقيقي.
وأضاف أن تاريخ 24 ديسمبر كان من المفترض أن يشهد احتفالًا بذكرى الاستقلال وإجراء الانتخابات العامة عام 2021، إلا أنه تحول إلى ذكرى لم تحدث، في مؤشر على استمرار التحديات السياسية في البلاد.
مندوب روسيا
من جانبه أكد مندوب روسيا لدى مجلس الأمن على ضرورة التعجيل باستكمال خطوات خارطة الطريق الليبية، وتغيير مفوضية الانتخابات، وتعديل القوانين الانتخابية لضمان نجاح العملية الانتخابية.
وشدد على دعم روسيا للمبعوثة الأممية والقوى السياسية الليبية في مساعيها لإجراء انتخابات شاملة، مشيرًا إلى أن تمديد ولاية البعثة سيساهم في تحسين أدائها.
وأضاف المندوب الروسي أن نجاح أي خطة سياسية يتطلب التكامل بين شرق وغرب ليبيا، والتوافق حول المناصب السيادية، محذرًا من أن الانقسامات السياسية المستمرة تهدد فرص نجاح أي مسار انتخابي.
وأشار إلى استمرار الأوضاع الأمنية غير المستقرة في محيط طرابلس واستخدام الأسلحة الثقيلة رغم حظر توريدها، مؤكدًا أن السيطرة على المسار السياسي هي الأولوية، بينما سيأتي الاستقرار الاقتصادي والعسكري لاحقًا.
كما شدد على أن تنظيم المؤسسات المالية والاقتصادية الليبية من الخارج أمر غير مقبول، وأن تجميد الأصول ينبغي أن يخدم مصالح الأجيال الليبية المقبلة.
من جانبها، أكدت المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن على أهمية فرض عقوبات صارمة على كل من يعرقل العملية السياسية في ليبيا، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات.
وأشارت إلى ضرورة دعم جهود البعثة الأممية وإنهاء الانقسام السياسي، محذرة من أن إفلات المعرقلين من العقاب أو تهريب الأسلحة يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار. ودعت المندوبة الأمريكية إلى استمرار حظر توريد الأسلحة وضبط صادرات النفط غير الشرعية، معتبرة أن استغلال الموارد الطبيعية والمالية لليبيين يضعف المؤسسات ويعيق فرص إجراء الانتخابات.
وأكد الطرفان على أن الانتخابات لن تتحقق إلا بتجاوز الانقسامات السياسية القائمة، وضمان توافق جميع الأطراف على آليات عملية ومستدامة للخروج من الأزمة الليبية.
مندوب فرنسا
فيما أكد مندوب فرنسا لدى مجلس الأمن الدولي أن تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسات الليبية من المسائل الأساسية التي يجب أن تحقق توافقًا وطنيًا.
وأوضح أن خارطة الطريق التي قدمتها الممثلة الخاصة ترتكز على ثلاث ركائز رئيسية لضمان استئناف العملية السياسية، مشيرًا إلى دعم المجلس لهذه الخارطة ودعوة الأطراف الليبية للمشاركة البناءة في تنفيذها.
وأشار المندوب الفرنسي إلى أهمية توحيد ليبيا لضمان الأمن والاستقرار، مؤكدًا ضرورة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب، وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية بما يحمي سيادة البلاد.
كما شدد على ضرورة المضي قدمًا نحو الشفافية الاقتصادية وتوزيع الموارد بعدالة، مشيرًا إلى أن الاتفاق الأخير بين النواب والدولة بشأن برنامج الإنفاق الموحد يمثل خطوة أولى نحو التوحيد الاقتصادي.
وأكد أن الحل السياسي هو الضامن لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، داعيًا السلطات الليبية إلى تعزيز مكافحة الإفلات من العقاب وضمان ممارسة الحريات المدنية.
من جانبها، قالت مندوبة المملكة المتحدة إن الوضع في ليبيا ما زال مقلقًا بعد مرور أربعة أشهر دون تنفيذ المعالم الرئيسية لخارطة الطريق.
مندوبة بريطانيا
وأكدت دعم المملكة المتحدة الكامل لجهود البعثة الأممية، مشيرة إلى انطلاق أعمال الحوار المُهيكل في 14 ديسمبر، والذي جمع ممثلين من مختلف مناطق ليبيا لإجراء نقاش شامل حول مستقبل البلاد.
ودعت المندوبة البريطانية إلى إشراك جميع الأصوات الليبية، بما فيها النساء والشباب، لضمان تقديم توصيات تشريعية واضحة، وأكدت على أهمية إحراز تقدم عاجل في المسار الانتخابي وتنفيذ الاتفاق التنموي الموحد بشفافية وعدالة لضمان استفادة كل الليبيين من الموارد الوطنية.
وشددت على أن الجمود السياسي المستمر يقوض الثقة ويعرقل الاختيار الديمقراطي والاستقرار الاقتصادي والأمني الذي يستحقه الشعب الليبي.
مندوب الجزائر
أكد مندوب الجزائر لدى مجلس الأمن أن ليبيا بحاجة عاجلة إلى انتخابات حرة وشفافة وتوحيد كافة المؤسسات العامة لضمان الاستقرار والسيادة الوطنية.
وأشاد المندوب باستكمال الانتخابات البلدية، معتبرًا ذلك دليلًا على التزام الشعب الليبي بمبادئ الديمقراطية وخطوة مهمة نحو التوافق الوطني وإجراء الانتخابات العامة.
ودعا المندوب إلى المشاركة الفعالة في الحوار المهيكل من جميع الأطراف المعنية، مشددًا على ضرورة عدم تقويض هذه العملية لضمان مصداقية الانتقال السياسي.
وأشار إلى أن الملكية الليبية يجب أن تكون محور أي عملية سياسية، وأن الأموال الليبية في الخارج تتعرض للتآكل بسبب سوء إدارة بعض المؤسسات المالية، مطالبًا بمساءلة المسؤولين وجبر الضرر.
كما شدد على أهمية اعتماد ميزانية وطنية موحدة وتعزيز الرقابة على الإنفاق العام، داعيًا إلى تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بالمؤسسة الليبية للاستثمار لإعادة استثمار الاحتياطيات النقدية المجمدة.
وحذر من أن التدخلات الخارجية، بما في ذلك تهريب الأسلحة والنفط غير المشروع، تزيد حالة عدم اليقين، وتمول الجماعات المسلحة في ليبيا وبعض مناطق السودان والساحل.
وطالب المندوب بـ الانسحاب الفوري لكل القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب، مؤكداً أن سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها يجب أن تُحترم بالكامل. وأكد على ضرورة مواجهة من يعرقلون مسار السلام، محذرًا من أن تقاعس المجتمع الدولي أو الأطراف الداخلية سيكون ثمنه باهظًا على الشعب الليبي، ومشدداً على أن التاريخ سيحكم على كل من يفشل في الوفاء بهذا الالتزام.
خلصت إحاطات المندوبين إلى أن المرحلة الانتقالية في ليبيا لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، وأن الحل السياسي الشامل هو الضامن لتحقيق الاستقرار والأمن واحترام حقوق المواطنين.
وشدد المجتمع الدولي على ضرورة الالتزام بالانتخابات الحرة والشفافة، توحيد المؤسسات السيادية، انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، وضمان توزيع عادل للموارد الوطنية.
كما أكد المندوبون على ضرورة مواجهة أي معرقل للعملية السياسية، لضمان أن تكون ليبيا دولة مستقرة، آمنة، وذات سيادة كاملة، قادرة على استعادة ثقة شعبها وإشراكه في صناعة مستقبلها الديمقراطي.
مندوب الصين
دعا المبعوث الصيني لدى الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى دعم الفاعلين السياسيين في ليبيا من أجل تجاوز حالة الجمود السياسي وبناء توافق وطني يُفضي إلى تحقيق الوحدة السياسية في البلاد.
وقال سون لي، نائب المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، إن من الضروري حث الأطراف السياسية في غرب وشرق ليبيا على إظهار إرادة سياسية حقيقية، والإسراع في إنجاز القضايا العالقة، بما يمهّد الطريق لإجراء انتخابات وطنية.
وأشار المبعوث الصيني إلى أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أحرزت مؤخرًا تقدمًا في تيسير العملية السياسية، غير أن الأزمة السياسية العميقة لا تزال قائمة، وأن استمرار انقسام مؤسسات الدولة يعرقل جهود الحكم الوطني.
وأكد سون لي على أهمية التزام الأطراف الليبية بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، والعمل على كبح الاتجار غير المشروع بالأسلحة ومنع تحويل مسارها، إضافة إلى الدفع نحو الانسحاب المبكر للمرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية.
كما شدد على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في ليبيا، معتبرًا أن الاتفاق الأخير بين الأطراف الليبية بشأن برنامج التنمية الموحد يمثل خطوة إيجابية ينبغي البناء عليها.
ودعا المجتمع الدولي إلى استثمار هذا التقدم من خلال تشجيع الليبيين على الإسراع في إقرار ميزانية موحدة، ومعالجة الاختلالات الهيكلية، بما في ذلك التجزئة المالية، وطباعة العملة غير المشروعة، وعدم استقرار أسعار الصرف.
واختتم المبعوث الصيني تصريحاته بالتأكيد على استعداد بلاده للعمل مع جميع الدول لدعم ليبيا في مسارها نحو الاستقرار الدائم والسلام والتنمية المستدامة.
