حسين درمشاكي
تجاعيدُ الخريفِ على وجهٍ يحكي عقودًا. على عتبةِ الطينِ الباردةِ جلست، تُلملمُ ركبتيها تحت لحافٍ رماديٍّ ثقيلٍ كالأيام. يداها المرتعشتانِ تُخفيان فمًا ذابلاً، ربما لتكتمَ تنهيدةً، أو لتُدفئَ أنفاسًا صارت كجليدِ كانون. لفحتها الملونة، كأنها بقعةُ فرحٍ عنيدةٍ على لوحةِ حزنٍ، تتدلى بأهدابٍ أرجوانيةٍ كذكرى زاهيةٍ لا تغيب.
كانت الشمسُ تميلُ على استحياءٍ نحو الغروب، ترمي ظلالًا طويلةً كأعوادِ قصبٍ، كأنه زمانُ الأصيلِ ينسحبُ منها.
الحوار المكتوم: “متى سيعود؟ وعدني… قال: غدًا.”
فجأةً، لمحتْ حذاءً أسودَ قديمًا على طرفِ الدرجة، تمامًا كحذاءِ ابنها الذي غادر منذ عشرين عامًا ولم يعد. مدّت ساقها الهزيلة، تحسست بعصاها الخشبية ما ظنتْ أنه امتدادٌ لذلك الحذاء. فجأةً، توقفت العصا.
رفعت نظرها المُنهك، لتجدَ العصا ليست إلا ساقها هي، وقد تشبثت بالأرض من طول الانتظار. أما الحذاءُ القديمُ، فكان حذاءها هي أيضًا.
كانت تنتظر، والغيابُ يرتدي جلدها خطوةً خطوةً، حتى لم يبقَ لها سوى رداءِ الانتظارِ الملوّن.
لم يكنْ هناك حذاءٌ لابنها يومًا. كان كلُّ ما ظنتْ أنه غيابُه هو غيابُها هي عن الحياةِ دون أن تشعر.
