تشهد جزيرة كريت اليونانية ضغوطًا متزايدة نتيجة تصاعد وتيرة الهجرة غير النظامية، في تحول لافت لمسارات العبور عبر البحر الأبيض المتوسط، بعد فشل الاتحاد الأوروبي في الحد من الطريق القادم من ليبيا،ويكشف هذا التطور عن محدودية فعالية سياسات مراقبة الحدود الأوروبية، مع استمرار شبكات التهريب في التكيف وتغيير وجهاتها.
وفي هذا الصدد أكدت السلطات اليونانية وصول أكثر من 1000 مهاجر غير شرعي إلى جزيرة كريت خلال شهر ديسمبر وحده، حيث تم اعتراض أو إنقاذ أكثر من 650 مهاجرًا خلال اليومين الماضيين فقط.
ويوم الجمعة، نفّذ خفر السواحل اليوناني، بدعم من وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس، عملية إنقاذ كبيرة شملت 545 مهاجرًا كانوا على متن قارب صيد مكتظ قبالة جزيرة غافدوس، أقصى الجزر اليونانية جنوبًا.
ونُقل المهاجرون إلى جزيرة كريت، التي تعاني سلطاتها المحلية أصلًا من محدودية القدرة الاستيعابية.
وتواصلت الحوادث خلال الليل، حيث اعترض زورق دورية تابع لخفر السواحل قاربًا مطاطيًا يقل 27 شخصًا على بعد نحو 45 ميلًا بحريًا جنوب شرق كاليس ليميني، كما عُثر على قارب ثانٍ يحمل 35 مهاجرًا على بعد 2.5 ميل بحري جنوب شرق بساري فورادا في بلدية فيانوس، وتم إنزال جميع المهاجرين إلى الشاطئ تمهيدًا لإيوائهم في مرافق مخصصة.
ويرى مسؤولون يونانيون أن هذا الارتفاع المفاجئ في أعداد المهاجرين يعكس تحولًا متعمدًا في استراتيجيات شبكات التهريب، التي باتت تستغل تحسن الأحوال الجوية الشتوية وقصر المسافة البحرية بين شرق ليبيا وجزيرة كريت.
وتشير التقديرات إلى أن العديد من القوارب تنطلق من مدينة طبرق، التي لا تبعد سوى نحو 300 كيلومتر عن كريت، ورغم أن هذا المسار أقصر من الطريق المؤدي إلى إيطاليا، إلا أنه لا يزال شديد الخطورة، إذ غرق قبل أسابيع 14 مهاجرًا مصريًا ولا يزال 13 آخرون في عداد المفقودين بعد غرق قاربهم جنوب غرب كريت.
وتقر السلطات اليونانية بأنه رغم انخفاض إجمالي حالات العبور غير الشرعي إلى اليونان بنسبة 18% هذا العام، حيث سُجلت 39,495 حالة بحلول نهاية أكتوبر مقارنة بـ 48,415 حالة في الفترة نفسها من عام 2024، فإن الضغط لم يتراجع بل تحول جغرافيًا. فقد برزت جزيرتا كريت وغافدوس كبؤرتين جديدتين لعمليات التهريب، في ظل تشديد الرقابة في مناطق أخرى.
ويعكس هذا التحول تغيرات أوسع في أنماط الهجرة عبر المتوسط، فقد سجلت إيطاليا 65,642 وافدًا في عام 2025، مقارنة بـ 65,471 وافدًا في عام 2024، ما يشير إلى حالة استقرار نسبي، مع تراجع أعداد الوافدين في ديسمبر من 3,080 وافدًا عام 2024 إلى 2,336 هذا العام، وفق بيانات وزارة الداخلية الإيطالية، أما إسبانيا، فقد شهدت أكبر انخفاض، حيث تراجع عدد الوافدين بنسبة 44.3% إلى 32,212 وافدًا بين 1 يناير و15 ديسمبر، مقارنة بـ 57,833 وافدًا في الفترة نفسها من عام 2024.
وعزت السلطات الأوروبية هذا التراجع العام في أعداد الوافدين إلى زيادة المراقبة وتشديد سياسات الهجرة في دول الاتحاد، غير أن تركز التدفقات في جزيرة كريت يؤكد أن شبكات التهريب لا تتوقف، بل تقوم بتعديل مساراتها لتفادي الإجراءات الأمنية المشددة في مناطق أخرى من البحر الأبيض المتوسط.
وتواجه اليونان تحديات مستمرة في إدارة ملف الهجرة منذ عام 2015، عندما وصل أكثر من 850 ألف شخص إلى جزرها قادمين من تركيا، ما دفعها إلى إنشاء مراكز احتجاز في عدة جزر وتعزيز الدوريات البحرية، خصوصًا في بحر إيجة.
وفي هذا السياق، انتقدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأوضاع في مراكز الاستقبال اليونانية، داعية إلى تحسين التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي وتقاسم المسؤولية بشأن طالبي اللجوء القادمين عبر طرق المتوسط.
وتقع جزيرة كريت، أكبر جزر اليونان، على بعد نحو 300 كيلومتر شمال ليبيا، فيما تقع جزيرة غافدوس على بعد حوالي 40 كيلومترًا جنوب كريت، وتُعد أقصى نقطة في جنوب أوروبا، ما يجعلها نقطة جذب متزايدة لشبكات التهريب في المرحلة الحالية.
