تحتفل ليبيا اليوم بالذكرى الرابعة والسبعين لاستقلالها، الذي تحقق في مثل هذا اليوم من عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين، بعد عقود طويلة من الاحتلال الإيطالي وصراعات الاستعمار. ففي الرابع والعشرين من ديسمبر من عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين، أعلن الملك إدريس السنوسي استقلال ليبيا، متوجاً جهود الآباء والأجداد الذين خاضوا نضالاً شاقاً ضد الاحتلال الإيطالي منذ عام ألف وتسعمائة وأحد عشر.
كان إعلان الاستقلال بداية لعهد جديد في ليبيا، شهد تأسيس دولة القانون والدستور، حيث نظمت المملكة أربع انتخابات تشريعية شكلت تجربة رائدة على المستوى الإقليمي. ورغم محاولات بعض القوى الاستعمارية لإبقاء ليبيا دولة ضعيفة ضمن النظام الاتحادي، نجح الشعب الليبي في عام ألف وتسعمائة وثلاثة وستين في تعديل الدستور وإعلان الوحدة الوطنية تحت اسم المملكة الليبية وعاصمتها طرابلس.


وفي هذا اليوم التاريخي، ألقى الملك إدريس السنوسي خطاب إعلان الاستقلال من شرفة قصر المنار بمدينة بنغازي، قائلاً:
“بسم الله الرحمن الرحيم
إلى شعبنا الكريم
يسرنا أن نعلن للأمة الليبية الكريمة أنه نتيجة لجهادها وتنفيذاً لقرار هيئة الأمم المتحدة الصادر في الحادي والعشرين من نوفمبر سنة ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين، قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة.
وإنا لنبتهل إلى المولى عز وجل بأخلص الشكر وأجمل الحمد على نعمائه، ونوجه إلى الأمة الليبية أخلص التهاني بمناسبة هذا الحدث التاريخي السعيد. نعلن رسمياً أن ليبيا منذ اليوم أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، ونتخذ لنفسنا من الآن فصاعداً، نزولاً على قرار الجمعية الوطنية الليبية الصادر في الثاني من ديسمبر سنة ألف وتسعمائة وخمسين، لقب صاحب الجلالة ملك المملكة الليبية المتحدة.
ونشعر أيضاً بأعظم الاغتباط لبداية العمل منذ الآن بدستور البلاد كما وضعته وأصدرته الجمعية الوطنية في السادس من محرم سنة ألف وثلاثمائة وواحد وسبعين هجرية، الموافق من أكتوبر سنة ألف وتسعمائة وواحد وخمسين ميلادية.
وإنه من أعز أمانينا أن تحيا البلاد حياة دستورية صحيحة، وسنمارس من اليوم سلطاتنا وفقاً لأحكام هذا الدستور”.


بعد الحرب العالمية الثانية، حاولت القوى المنتصرة ملء الفراغ الذي خلفه الإيطاليون، لكن الليبيين رفضوا الوصاية الأجنبية، وأسفرت جهود المناضلين عن إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في نوفمبر ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين، الذي نص على استقلال ليبيا قبل يناير ألف وتسعمائة واثنين وخمسين. وتشكلت لجنة أممية للإشراف على نقل السلطة، وفي أكتوبر ألف وتسعمائة وخمسين تأسست جمعية تأسيسية من ستين عضواً لصياغة الدستور، وفي الرابع والعشرين من ديسمبر ألف وتسعمائة وواحد وخمسين أعلن استقلال ليبيا وتم اختيار إدريس السنوسي ملكاً للمملكة الليبية المتحدة.


قبل ذلك، تولى الأجداد المؤسسون مهمة أعادت كتابة التاريخ؛ ففي عام ألف وتسعمائة وتسع وأربعين، ناقشت الأمم المتحدة مشروع بيفن – سفورزا، الذي كان يقضي بتقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق تحت انتداب دول مختلفة: طرابلس تحت الانتداب الإيطالي، وبرقة تحت الانتداب البريطاني، وفزان تحت الانتداب الفرنسي. وقد جرت مشاورات مكثفة داخل الهيئة العامة للأمم المتحدة قبل التصويت على المشروع، الذي كان يواجه اعتراضات من بعض الدول الأعضاء.


في هذه المرحلة، كان للأجداد المؤسسين حنكة سياسية ومشاورات دبلوماسية ليبية، تمكنوا فيها من كسب صوت هايتي، ليصنع دوراً حاسماً، جعل ممثلها في الأمم المتحدة، إميل سان لو، يخالف تعليمات حكومته، ويصوّت ضد مشروع تقسيم ليبيا. وأسفر هذا التصويت عن رفض الخطة، وإلغاء مشروع الانتداب الثلاثي، مما مهد الطريق لتحويل القرار الدولي إلى استقلال فعلي للبلاد بعد سنتين من ذلك.
وعلى الرغم من التحديات والمآسي التي عاشها الشعب الليبي على مر السنين، إلا أنه أثبت دوماً حبه للحياة ووحدته في المناسبات الوطنية والدينية، ففي الاحتفالات الوطنية ينبذ الليبيون خلافاتهم ويشتركون في إحياء ذكرى الاستقلال التي تظل رمزاً للفخر والاعتزاز الوطني. وتعد هذه الذكرى الرابعة والسبعون فرصة لتكريم تضحيات الأجداد وترسيخ روح الوحدة الوطنية، مع الأمل في بناء مستقبل يعكس طموحات الشعب الليبي في الحرية والازدهار ويؤكد مكانة ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة.
