غيب الموت المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد عن عمر ناهز 79 عام، بعد صراع طويل مع المرض، في خسارة وصفها الوسط الفني والثقافي بأنها فقدان لأحد أبرز الأصوات السينمائية التي شكّلت وعي مختلف في تاريخ السينما المصرية والعربية.
ونعت نقابة المهن التمثيلية الراحل في بيان رسمي، مؤكدة أن عبد السيد ترك مسيرة فنية استثنائية قدّم خلالها أعمال خالدة شكّلت علامة فارقة، وبصمة إنسانية وفكرية لا تُنسى، وقدّمت التعازي إلى أسرته ومحبيه وتلاميذه، وإلى الوسط الفني والثقافي عموماً.
وأعلنت زوجة المخرج الراحل الكاتبة الصحفية كريمة كمال، نبأ وفاته، معبرة في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن حزنها العميق، واصفة إياه بأنه أحد أهم الأصوات السينمائية في تاريخ مصر والعالم العربي، كما أعلنت نقابة السينمائيين إقامة عزاء الراحل يوم الاثنين بكنيسة مارمرقس في حي مصر الجديدة.
وفي ردود الفعل الرسمية، قال وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، إن السينما المصرية فقدت قامة فنية كبيرة استطاعت أن تحوّل الشاشة إلى مساحة للتفكير وطرح الأسئلة الكبرى، والتعبير بصدق عن هموم الإنسان والمجتمع، مشير إلى أن أعماله ستظل حاضرة في الذاكرة الثقافية.
ويُعد داوود عبد السيد من أبرز المخرجين الذين أسسوا تيار سينمائي قائم على التأمل الفلسفي والاشتباك العميق مع قضايا المجتمع والسلطة والحرية والهوية، بعيدًا عن القوالب التجارية، ما منحه مكانة خاصة لدى النقاد وصنّاع السينما، وقد لُقب بـفيلسوف السينما، وانتمى إلى جيل الواقعية الجديدة، في ثمانينيات القرن الماضي إلى جانب أسماء بارزة مثل عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة.
وُلد عبد السيد في القاهرة عام 1946، وتخرج في المعهد العالي للسينما، وبدأ مسيرته المهنية مساعد للمخرج يوسف شاهين، قبل أن يتجه إلى الإخراج، مقدّماً في بداياته أفلام تسجيلية عكست اهتمامه بالواقع الاجتماعي والإنسان البسيط، وهو النهج الذي ظل حاضر في مجمل أعماله الروائية.
وخلال مسيرته، قدّم مجموعة من الأفلام التي أصبحت علامات بارزة في السينما المصرية الحديثة، من بينها “الصعاليك”، “الكيت كات”، “أرض الأحلام”، “سارق الفرح”، “أرض الخوف”، “مواطن ومخبر وحرامي”، “رسائل البحر”، و”قدرات غير عادية”، وحصدت أعماله جوائز عديدة داخل مصر وخارجها، من بينها الهرم الفضي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وعدة جوائز من المهرجان القومي للسينما ومهرجانات عربية.
كما نال الراحل أرفع الأوسمة الفنية في مصر، بينها جائزة الدولة للتفوق، وجائزة الدولة التقديرية، وجائزة النيل في الفنون، التي مُنحت له تقديراً لإسهاماته البارزة في إثراء الثقافة والسينما.
وكان عبد السيد قد تحدث في لقاءات سابقة عن توقفه عن الإخراج، موضح أن ذلك جاء نتيجة عدم توفر المناخ الذي يسمح له بتقديم السينما التي يؤمن بها، وهو موقف عكس تمسكه بقناعاته الفنية حتى اللحظة الأخيرة.
برحيل داوود عبدالسيد، تطوي السينما المصرية صفحة مخرج ترك أثر عميق، وفتح عبر أفلامه نوافذ للتفكير في الإنسان والدولة والمجتمع، في تجربة ستظل مرجعاً للأجيال القادمة.
