قدّم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، التعازي في وفاة رحم الله العالم الجليل فضيلة الشيخ أحمد ميلاد قدور، مفتي طرابلس عضو مجلس البحوث بدار الإفتاء الليبية.
وقال الدبيبة في تدوينة له على فيسبوك إن العالم قدور غادر بعد مسيرة عظيمة طويلة في خدمة العلم والشريعة وتبليغ أحكام الله، عرف خلالها بالاجتهاد والإخلاص والوعظ والإرشاد وبعطائه الإنساني وحرصه على منفعة الناس.
وأعرب الدبيبة عن تعازيه لأسرة ولمشايخ ليبيا وعلمائها في هذا الفقد الكبير، سائلا الله أن يتغمده بواسع رحمته ويخلف البلاد فيه خيرًا .
يشار إلى أن للشيخ العلامة أحمد ميلاد قدور رحمه الله، مسيرة حافلة من العطاء والعمل، حيث كان عضو مجلس البحوث والمفتي بدار الافتاء الليبية منذ عام 2012 وحتى وفاته
السيرة الذاتية للفقيد
ولد الشيخ أحمد قدور في منطقة سوق الجمعة بطرابلس محلة شط الهنشير عام 1936، وبدأ رحلته العلمية مبكرًا بحفظ القرآن الكريم على يدي الشيخين الطاهر عبد المولى وشكري بن احمد بن حمادي في عام 1949، ثم التحق بالمعهد الاسمري في زليتن لينهل من العلوم الشرعية واللغوية، وفي عام 1957 استأنف دراسته بالتوازي مع عمله في جامع أحمد باشا ثم التحاقه الجامعي عام 1971 ليتوج مساره الأكاديمي بالحصول على درجة الليسانس في الشريعة الإسلامية عام 1974.
بدأ الشيخ قدور نشاطه الدعوي مبكرًا واعظًا وخطيبًا للجمعة في عدة مساجد بطرابلس منذ عام 1970، وعمل مفتشًا بقسم المساجد حتى عام 1974، ثم انتقل بعدها إلى ميدان التعليم الشرعي فعُين مدرسًا بمعهد الإمامة والخطابة بطرابلس عام 1977 ثم مديرًا للمعهد ذاته عام 1983، كما درس في مدرسة الفنون والصنايع الإسلامية عام 1985.
لم يقتصر نشاط الشيخ رحمه الله على الداخل الليبي، فقد نال شرف إلقاء الدروس في الحرمين الشريفين: المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بين عامي 1976 و1980، كما شارك في إيفادات دعوية خلال شهر رمضان المبارك إلى دول عديدة منها البرتغال وفرنسا وكوريا الجنوبية وسيركا في الفترة ما بين 1982 حتى 1985
وعلى الصعيد الإعلامي، قدّم الشيخ برنامجه الإذاعي الشهير “الموعظة الحسنة” عبر أثير إذاعة طرابلس الغرب لمدة 15 عامًا من عام 2005 إلى 2020، تاركًا إرثًا دعويًا مسموعًا
فقدته ليبيا والعالم الإسلامي في 9 ديسمبر 2025 عن عمر ناهز 89 عامًا بعد مسيرة حافلة بالعطاء في ميادين العلم الشرعي والدعوة والتعليم ليبيا وخارجها.
شهد جنازة العالم الجليل مشيعون من العلماء وطلاب العلم الشيوخ منهم والشباب، من مختلف أرجاء البلاد ومن خارجها أيضًا، فكانت الجنازة مهيبة عبرت بوضوح عن محبة الناس له ووفائهم لعلمه وتقديرهم لخُلُقه وسيرته.
في وصف الشيخ أحمد قدور
وفي وصف الشيخ قدور يقول من عرفه أنه نشأ الشيخ منذ صباه في طاعة الله متعلقًا بالمساجد وتولى الخطابة في ريعان الشباب متحملًا أمانة التزمها لأكثر من سبعين عامًا وسار على نهج أبيه وجده وعمه رحمهم الله جميعًا.
فعرفه جامع الدويش وجامع ميزران ( الشط ) وجامع شط الهنشير و جامع السنوسية وجامع الدعوة الإسلامية وغيرها من عشرات المساجد عرفته بعثات الحج واعظًا و مرشدًا وعرفه آلاف البشر عبر أكثر من ستين عامًا
لقد كان بيته قبلة للسائلين ومجالس علمه ووعظه منارة لطلبة العلم يتعلمون ويتربون على هديه وسمته قبل علمه ومقاله .
ويقول أحد طلابه “كان أبًا للجميع، كان مربيًا ناصحًا ودودًا بليغًا في مقاله شديدًا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، كان يعتزل رحمه الله كل ما يخرم المرؤة أو يُشين أو يهين منزلة العالم فهو عزيز بدينه وعلمه متواضعًا مع مجالسه وزواره، نزوره في بيته فيبادر إلى خدمتنا ويشيعنا إلى الباب حال المغادرة، هكذا عرفناه منذ أكثر من ثلاثين عامًا وحتى قبل وفاته مع مرضه وعلته رحمه الله” ..
ويقول أخر “كان مدرسة متكاملة علمًا وعملًا هديًا وحالًا، كان صاحب ذكريات وقصص وحديث لا يُمل يمزجه بعبرة وعَبرة وويتخللها بممازحة وطرفة كل ذلك في أدب و ذوق راق”.
وأضاف ” في آخر زيارة لي له وجدته في بيته وكان لوحده فقال لي ممازحًا لقد سكنت هذا المنزل أنا وعزوزتي لوحدنا وأنجبنا بنينًا وبنات وكبروا وتزوجوا وكل انتقل إلى منزله، فكنت أقول لزوجتي بدأنا لوحدنا ورجعنا في البيت لوحدنا (كما بدأكم تعودون) وقالها بصوت شجي ممدود رافعا كفه مبسوطة مضمومة الإبهام.. رحمه الله تعالى .” وتابع “كان دائما يحدثنا عن الذي ينبغي والذي لا ينبغي لطالب العلم وللعالم ولأهل المسلك إلى الله، وعن الصيانة فمثلًا يحدثنا عن أنه منذ أن لبس الجرد لم ينزعه خارج بيته وفي كل المناسبات وظل على ذلك عشرات السنين فكان موصوفًا باعتنائه بلباسه التقليدي، وعن أول امتحان له في الخطابة وتأهله لها وكيف استمع وأخذ نصائح من سبقه وكيف أنه لم يحسر رأسه أو ينزع الطاقية للعامة، وفي الشارع مهما كانت الظروف والأحوال”.
