الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-30

12:47 مساءً

أهم اللأخبار

2025-12-30 12:47 مساءً

برهانه يقرؤه في كتابه” سيد الحكاية “

علي برهانة

علي برهانة

في ذكرى وفاة الكاتب الصادق النيهوم الثلاثين .. كان الدكتور علي برهانة قد أصدر كتابا بعنوان ” سيد الحكاية / السخرية في أدب الصادق النيهوم ” فما كان من الدكتور برهانه إلا أن قدم قراءته في كتابه إحياء لذكرى وفاة النيهوم التي كانت في شهر نوفمبر 2025 قال :

___________________**

*عن أحسن لص في المملكة / المحاكاة الساخرة (parody) :

1- لقد شرعت القصة في المحاكاة الساخرة من (العنوان )، (أحسن لص في المملكة) هذا يذكرنا، بأحسن كفاءة في المجتمع، أحسن طالب في المدرسة والكلية أو الجامعة، أحسن أو أفضل رياضي، أو عداء، أو فارس، أفضل موظف، أو غير ذلك من الإطارات البشرية التي تمثل نسيج أي مجتمع، وتساهم في جعله يتبوأ ما يستحق من مكانة في العالم، أما التعبير بالقول (أحسن لص في المملكة) فهو مقابل( أخطر لص في المملكة)، وقد اتخذت هذا العنوان لأنها ستسلك طريقا يعتمد أساساً على المقدّس، والمحترم والنبيل في الحديث عن اللصوصية – وهذا أبسط مفهوم للمحاكاة الساخرة-، هذا الأساس تمثل في مجموعة من المستويات سنتناولها جميعاً بالقراءة لننظر كيف اشتغلت السخرية من خلالها ؟

2-الرواية : قدم السرد في هذه القصة عن طريق الراوي العليم، ولكنه نسبه إلى مصدر آخر، فهو حين يقدم ما يقول يعزوه إلى (العجائز في بنغازي)، فقد بدأت القصة هكذا: “من القصص غير المعقولة التي ترويها العجائز في بنغازي أنه لما مرض شيخ اللصوص، وأحسن بدنو الأجل، جمع اللصوص في المملكة من أدناها الي أقصاها حول فراشه….الخ”، وإذا كانت القصة إنما تتحدث عن اللصوص، وحيلهم المختلفة في ممارسة اللصوصية، وكيف يطورن هذه الحيل، و يتفوقون في ذلك بعضهم على بعض، فكيف تكون العجائز في بنغازي مصدراً لهذه المعلومات؟ ولم تكتف القصة بإقحام هؤلاء العجائز في بدايتها باعتبارهن عنصراً مستخدما من قبل الراوي في ذلك، بل استمر هذا الراوي في الاعتماد على عجائز بنغازي طيلة القصة متخذا منهن لازمة تكررت طيلة السرد، وكانت حاضرة حضوراً  فاعلاً،  فقد تكررت في كل تمفصلات القصة لتكون أداة لتطور الأحداث من مستوى إلى مستوى، مسبوقةً بهذا اللفظ (حسنا)، فكلما خفت إيقاع الأحداث قدم الراوي هذه العبارة “حسناٍ تقول العجائز في بنغازي”، يكرر هذه اللازمة تسع مرات طيلة القصة وتختم بهذا: “هذا ما تقوله العجائز في بنغازي” وقد مثل هذا ثاني مستوي بعد العنوان في استخدام المحاكاة الساخرة (الباروديا-  (parody)) بإقحام هذا العنصر البشري المرتبط لدنيا بالطيبة، والحكمة الشعبية، والانتماء إلى المفهوم الشعبي للدين القائم على الإيمان المطلق، الذي لا يشك ولا يناقش، كان عمر بن الخطاب يقول : “اللهم اسألك أيمانا كإيمان العجائز”، إقحامه في هذا المستوي المعقد و المتطور للصوصية يعد اتجاها مقصودا في استحضار (الباروديا)، إنه سيكون من المضحك حقا أن تكون عجائز بنغازي على علم بكل هذه الخوارق اللصوصية التي تصل إلي درجة الفانتازيا، والتي ستستخدم كل ما هو مقدس ومحترم للوصول إلى السرقة، هذا العنصر سندخل عن طريقه لبقية أدوات المحاكاة الساخرة.

3- لقد تمحور موضوع القصة التي تقدمها العجائز في بنغازي كما رأينا حول (التوبة) توبة شيخ اللصوص، ومجرد طرح هذا الموضوع يبدو امرا طبيعيا، فهذا شخص يريد أن يكف عن فعل محرم دينيا واجتماعيا وقانونيا، ويصبح شخصا آخر لتحسن خاتمته كما تقول القصة ،غير أن التوبة جاءت لتكرس السخرية من كل شيء وعلى كل المستويات .

     فبداية إذا كانت النية في التوبة صادقة وفقا للمفهوم الشائع عنها الذي يتخذ من المقدس -الدين- مصدرا له، فهي تعني الإقلاع والكف عن كل ما سيتاب عنه، اي كل ما يتعلق باللصوصية من قول وفعل، ولكن ما الذي حدث في القصة؟، لقد جمع شيخ اللصوص “لصوص المملكة من أدناها الى أقصاها حول فراشه” هذا يعني أن سلطته عليهم كبيرة جدا، لأنه بمجرد ما يشير عليهم بيده يكفون عن أي فعل أو قول كانوا يفعلونه ، وقد  دعاهم (لقراءة الفاتحة).  ثم اخبرهم  بنيته في التوبة، وهنا يتجاور الهزل والجد، والرفيع والوضيع، فلقد كانت  اللغة التي استخدمها هذا الشيخ لغة قديمة تنتمي الى أسلوب اللغة التي يستخدمها عادة الوعاظ في الوعظ، واعتمدت هذه اللغة عبارات وجمل ذات محمولات بعضها رفيع وبعضها يحمل مضمونا روحيا ،”اعلموا يا اولادي،أن الموت نهاية كل حي”، وانه ” ليس باقيا إلا وجه الله” ، وأنا عجوز وهن عظمه، وأحني الدهر ظهره، بلا الدنيا بحلوها ومرها،ولم يعد يرجو منها سوي خير التواب ،وحسن المآب، وقد رأيت أن أذهب الى مكة هذا العام وأغسل جثتي من الذنوب و الآثام ، قبل أن يفوتني القطار ويقطع على الموت طريق الأبرار”

لا يخفى أن هذه اللغة الرفيعة، المعتمدة على عبارات وألفاظ تنتمي الي المقدس مثل قوله “الموت نهاية كل حي”، و”ليس باقيا الا وجه الله” عبارة “وهن عظمه”، و”حسن المآب ، وخير الثواب” وغيرها  كلها عبارات و ألفاظ عهدناها  في خطب الوعظ والدروس الدينية .

 واستحضار هذه المفاهيم على لسان شيخ اللصوص يندرج في أدوات المحاكاة الساخرة التي سبق وأن نوهنا عنها، وأن يبتدئ اجتماع اللصوص بقراءة الفاتحة، هو مستوي آخر من هذه المستويات التي سبق ذكرها .

كما أن موضوع الاجتماع يكرس ضربا من المفارقة ، فمن جهة يريد شيخ اللصوص ان يخبرهم بنيته في التوبة وطلبه لحسن الخاتمة “قبل أن يفوته القطار ويقطع عليه الموت طريق الابرار” ومن جهة تانية هو حريص على استمرارهم بوصفهم مجموعة بشرية تمارس مهنة تتطلب الاتحاد والاستمرار، لذلك فهو يخشى “أن تتفرق بكم السبل بعدي و تتشتت بكم المذاهب لأنه –  كما قيل منذ سالف الامد الرعية بدون راع  مثل الغنم بدون كلب -، لذا قررت أن أجمعكم هنا لكي تختاروا من بينكم شيخا أقلده الامر من بعدي، ويتولى منصبي وعهدي” وهنا نجد الحرص على التوبة  متلازما مع الحرص على أن يستمر اللصوص الذين يدعوهم ((اولادي)) في مهنتهم، وأن يحافظوا على و حدتهم واجتماع كلمتهم، كل ذلك في وعاء لغوي رفيع يضم من أدوات البلاغة ما عهدنا، في العصور الذهبية من الازدواج، السجع، والتقسيم، وهذا في حد ذاته من مستويات المحاكاة الساخرة كما هو معروف، ثم يختم اقتراحه بهذا السؤال : “فما قولكم أيها اللصوص” أي أنه مصر علي استمرارهم لصوصا، حريصا على ذلك كل الحرص.

تستمر المفارقة والمحاكاة بعد ذلك متمثلة في جواب اللصوص عن سؤال شيخهم قائلين: “وقالوا في صوت واحد: يا شيخنا لا تذهب الى مكة. ولا تلق بنفسك إلى التهلكة. يا شيخنا يستطيع الله أن يغفر لك ذنوبك في بنغازي أيضا. يا شيخنا إن القدر يريد أن يستدرجك إلى مكة لكي يقطع الوالي يدك” إن الذهاب الى مكة هو إلقاء بالنفس الى التهلكة، وهو فخ للشيخ لتقطع يده، هذا طبعا بناء على مفهوم اللصوص الذين يبدون مثل شيخهم تماما حريصين على سلامته، ومن ثم على استمرار مجموعتهم  ومهمتهم، فالله يستطيع  أن يغفر له في بنغازي، إن اللصوص يتحدثون بلغة العلماء والفقهاء الذين يعلمون أن الله مع الناس في كل مكان، هو يراقبهم، ويعلم كل شيء  ومن ثم فبقياس منطقي من يغفر في مكة يغفر في بنغازي، هذا طبعا خطاب ذو محمولين، فمن جهة الشكل هو صحيح، ولكن بمجيئه على لسان اللصوص يجعله موضع تساؤل وقل مثل ذلك في أي خطاب في بنغازي التي هي رمز للمجتمع برمته، إن الحديث الذي يتقدم به من يمارسون الإدارة، والسياسة والدين، ويتخذ المفاهيم النبيلة والألفاط الجليلة غطاء، لا يختلف عن ما يقوله اللصوص و شيخهم.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications