ويناجي القمر في ليل الجبل الأخضر وياسمين درنة
بيوغرافيا الشاعر يوسف بودوارة
فى ربوع الجبل الاخضر وفى منطقه رائعه تقع بين شحات وسوسه يقال لها ( سطيّة ) هي مكان مفتوح تحيطه غابات جميلة وكنا رفقة جميلة أيضا .. عندما يصبح القمر بدرا في منتصف الشهر العربي نذهب هناك لملاقاة القمر .. بين الرفاق واحد عندما يحكي لا تمل سماع حكاياته فكل حكاية أروع وأمتع من الأخرى .. لقد كان يكبر النار بطريقة لايتقنها غيره بل ويطهو الشاي بطريقة لا يحسن طهوه إلا هو .. مرت الأعوام وانتقلت إلى بنغازي يا الله افتقدت تلك الأجواء حيث يذهبون مازالوا لملاقاة القمر ولكنهم لإخلاصهم يهاتفونني قبلها ويقولون : أستاذ يوسف نحن في طريقنا لملاقاة القمر .. يأخذني الحنين متمنيا لهم لقاءً ماتعا موصيا بوصف مايرون ومايفعلون بالتفصيل لأعيش معهم اللحظة بالمتخيل وإن كنت بعيدا .. كنت أشتاق تلك الأماسي أتذكر لحظات بتفاصيل لون الليل بين الظلمة ووردية القمر وكيف يسطع بدر منتصف الشهر وكيف تكون ( السهراية بين الرفق ) فقلت وأنا أتشوق لمكاني بينهم :
الليل والقمر والنار والسهرايا .. أوقعده مع الاصحاب حد الغاية
قعده مع الصاحيب .. احذا نار بهرتّا ادير لهيب
كبرها اسطاوي للجروح طبيب .. سهراي يبسطك
يمسح اصدور ملايا
يجبد سريب .. اويعلقى ابسريب .. حكاي وحكاية اتجيب احكاية
حكاوي طرب .. ما هن حكاوي عيب
ايجّلن اهموم العقل يبرن دايا
لاهن على الدنيا او خلو الجيب .. ولا هن عتب لا هن اعداد سوايا
ويبقى الرفاقة بسط واتشرهيب .. اولمة علي الحفرة بعد تعشايا
ايوتي الشاهي ايديرله ترتيب .. تجهيزة خبير ايجهزا بعنايـه
ايقرب عليه الجمر بيش ايطيب .. ويبقى ابتقالب فوحته تسلايا
ويبقى القمر ناير سناه قريب .. ايضوّي سماه ايونس السهرايا
وانجوم اتباقس مالها تعديد .. تحلف عليها سامرا حكّايا
هاذيك لحظة للنفوس طبيب .. اداوي اجروحا هالعات معايا
جروحا قديمه مالهن تطبيب .. امفيت القمر والنار والسهرايا
هذا السارد الماتع في سرده الدقيق في وصفه لجلسة رفاق وكأننا نشاهدهم مرأى العين هو المحامي الراوي والقائد الكشفي والشاعر بين العامية والفصحى .. يوسف بودوارة شمام المغربي المولود في وادي درنة حيث كان جنة وارفة الظلال في 12/8/1953 م وحيث الجمال استمر يعيش ممتنا أن أوجده الله على جنة في الدنيا خضرة وماء ووجه حسن رغم عيش بسيط لعائلة بسيطة ليبية تتعايش في بيئة حانية وظلت هكذا حتى ردرس الابتدائية في مدرسة ريفية تقع قبل مدينة المرج بأمتار قليلة وتقسو فجأة البيئة ليقع في المرج زلزال كبير عام 1962 ويوسف في الصف الرابع الابتدائي طفل مايزال لكن المشهد المخيف واللحظة المرعبة ماتزال في خاطره تفاصيلها حتى وهو يسرد لي حكاياته مستقية سيرته منه مستمتعة بسيرة عامرة رغم حادثة المرج إلا أنها منحته القوة وأحب بعدها أن ينضم إلى كشاف ليبيا بدأ الحركة الكشفية كفتى في العام 1963 متماشية بالقيم التي تعلمها من قادته مع ميولاته .. عطاء وتعاونا وعملا للخير يجبل عليه الكشفي منذ نعومة أظفاره دون كلل أو ملل من الترابط المجتمعي وبذل الوقت والجهد من أجل الآخرين واستمر في دراسته والحركة الكشفية دافعا للنجاح حضر العديد من المخيمات بعضها في درنه والبيضاء وغابة الكشاف في القوارشه في بنغازي وغابة الكشاف في جود دايم في الزاوية .. وحتى الملتقيات الكشفية الكبرى التي عقدت في الأردن والجزائر .. كما شارك بورقة عمل بعنوان ( نظرة الليبيين للقدس ) قدمها باسم الوفد الكشفي الليبي في المؤتمر المقدسي الثالث بالأردن ضمن مهرجان كبير أقيم هناك .. ومن الورقات البحثية التي تركت أثرها في نفوس من حضروها كانت أثناء حفل معايدة بدار المسنين بمسه حضره لفيف من أهل الخير والكشافين والشعراء والكتاب وكانت عن ( الأم ) مع عدد من قصائده المميزة .. وفي العام 2024 م دعي لحضور مهرجان في الجزائر بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر .
مدينة بنغازي مرحلة قدرية أخرى ترتبط بحياة الشاعر والراوي يوسف بودواره المغربي .. إذ ينتقل ليعيش فيها كامل ناقلا أعماله وأسرته وممارسا نشاطه الثقافي والكشفي في العام 2003 لدواعي اجتماعية ومهنية في آن تاركا حبالا للذكريات موصولة بمسقط رأسه هواه الأول ومتنفس الياسمين ومسك الليل درنه مرابع الطفولة والصبى والشباب وبدايات تلمس الإبداع الشعري والمُكنة في الرواية الشعرية عن آخرين .. فيوسف بودواره لم يتوقع أنه سيعود إليها مقيما .. بعد عام تخرجه عام 1977 م من جامعة قاريونس كلية القانون ومواصلته دراسات عليا في القانون الجنائي واستكمل مدة الدراسة ليعود لدرنة يعمل هناك بالجهاز المركزى للرقابه الاداريه العامه متعيناعضو تحقيق .. ثم رئيسا لمكتب الجهاز ببلدية الجبل الاخضر .. ثم رئيسا لقسم التحقيقات بالجهاز الشعبى للمتابعه فمديرا للجهاز الشعبى للمتابعه منتقلا للقضاء فعين محاميا للدوله بإدارة القضايا .. ثم محاميا فى المحاماه الشعبيه وحينما انتقل للمحاماة الخاصه ظل حتى تاريخ إعداد هذه السيرة العطرة عنه في ذات مهنته الإنسانية .. ومع كل هذا وقبله واصل دوره الكشفي وهاجس الرواي الشعري للمأثور يراوده وتمر السنين ليعود إلى درنة ويعمل ويواصل نشاطه الكشفي المتميز فالحركه الكشفيه كان لها الاثر الفعال فى صقل تجربه فيذكر أنه في حلقة الفتيان بالحركه الكشفيه شارك تأليف الأناشيد ليسهم بها فى المناشط الثقافيه كما تاركا كل هذا أثره في مخيلة يوسف المبدع الذي تربى في وسط إبداعي بدأ من والده بودواره شمام الراوي والشاعر المعروف بين أهل منطقته ومدينته وخارجها حافظا عنه عديد الأعمال الشعرية لكبار الشعراء الشعبيين ويقول إن مارسخ في ذهنه أكثر ما كانت تردده والدته من ( ترجيب ) عليه وعلى إخوته (( اينجيك يااوسييف..او يازايد العمر زيده … )) ومهاجاتها على الرحى .. كما يتذكر من المأثور الشعبي ماكانوا يرددونه الكبار حينما يقفون أمام طاحون هوائي قديم كان لعائلة بودوارة المغربي ومعروف لهم صغارا وكبارا مع الزمن أصبح أطلالا حتى هذه الأطلال فقدت لتصبح ( مواهيم ) بعد كارثة إعصار دانيال حين يقفون أمامها يرددون الغناوة :
(( ايبان تلحقيه .. ايغدي خيال .. فى المواهيم قطمرك ))
لم يصدر ديوان للشاعر والراوي المحامي يوسف بودواره إلى الآن ولم يفكر حتى في إعداد مخطوط أول يجمع قصائده الجميلة الممعنة … ولأن الشعراء يستشعرون يستشرفون المستقبل وكأنهم يرحلون إليه متقصين الأحداث .. قبل كارثة دانيال في 10/9/2023 م بفترة ليست بالقصيرة كان بودواره ضمن ثلة من الشعراء في أمسية ثقافية بدرنة وجد نفسه يبوح لهم في قصيدة عن حنينه لعودة للزمكان ( الزمان والمكان ) كما تعودها صغيرا ويافعا لكنها أبت وتحدث حتى عن الوادي وعن أصحابه في تلك القصيدة القمرية لماذا ذكرا الوادي ؟ ورفاقا كانوا على قيد الحياة وقتها جرفهم السيل والأماكن بعدها وكأنه اليوم يلوم نفسه لما استشرف هكذا ألم لم يكن وقتها بهذه القسوة فيقول :
لوكان يا جنديه اتعاود الدار او قطعة البوجيه وايعود وقتنا …
لو كان نبقو جيره… وايعاود زمانك فارحه او صغيره …
لاهمّ لا امراجاه لا اتقطميره .. او لازول غايب منقطع طاريه..
اولازول حاطى من المرض تأثيره ..
اللى كان شيخ او فى العرب شخصيه
كنا اصغار ما نعرفو تكديره .. او لا نعرفو لا الحزن لا طارية
ع الساس نكتبو وانصورو تصويره
وانديرو صنب ناطور وان عشيه
لو كان تعمر داره .. وايعاود الوادى من جديد عماره
او طلّت صباحاتا او هيف نهارا .. او لمت عربنا كل وان عشيه
وايعاود فرج بوابلال يكبر نارا .. وايعودن سهاريا امع شاهيا
لو كان تعمر دارا .. وايعودن سواقيا او طيب اثمارا
او وان الفجور او هرجت الحدّارا .. كانو رفاقا لا خطأ لاسيّا ..
لو كان .. يا لو كان
حقا لكل منها قصة دامية أو مبكية أو مرحة خفيفة الظل كما طريقته الخاصة وتعامله مع الآخرين وهي الكشافة تصقل من ينخرط فيها بهكذا شخصية مرحة نشيطة عطاءة واجتماعية انطبقت كلها على شخصية يوسف والتي تحولت بعد حادثة دانيال المفجعة لتترك بصمتها في أعماله الشعرية بداية من قصيدته الموجعة لكل من سمعها والتي ألقاها في أول لقاء لمجموعته الثقافية ( بهو الأدب والفن الثقافي ) في مركز وهبي البوري الثقافي في 17/ 11/2023 م حيث نظم البهو ومركز وهبي البوري نشاطا من محاضرات عن أهمية الدعم النفسي للأسر المنكوبة ومن تبقى منهم بعد كارثة الإعصار وأهلهم وصحبهم المكلومين المفجوعين .. وبعد التحاور ألقى الشعراء أعمالهم ومنهم بودواره الذي وقف على المنبر لنبكي مع كلماته وهو يقول :
مشيت إلدرنه مالقيتهش ……..!!!!
ماالقيت سوانينا .. لا ألقيت فنار سهارينا
ماالقيت او جوه غوالينا .. اللى كانو للناس ونس
ماالقيت العايلات .. اللي فى درنه مسمّيات
اللى رقى او ثقافات .. اللى دفنو من غير نعش
ماالقيت عربنا الرحابا .. ماالقيت او جوه الشرهابا
ماالقيت اقبور الصحابا .. اتخذوا فى ديموم شرابا متوحش
الماضى والحاضر يكحش .. مشيت الدرنه ماالقيتاهش !!
ما ألقيت الياسمين .. أو لا لقيت الناس الباهيين
أو لا لقيت اعزاز او غاليين ..غدرهم سيل امظلم شين ..
خذاهم جمله ماشاورش …
ماالقيت امواير .. مستوه او مالقيت دباير
نمشى وين ؟ قعدت انخاير .. للجبيله او شارع الفنار..
والا للعتيق الناير .. القيتا صار .. هشيما من فعل التيار
مالقيت اغرفا .. لا ألقيت سوانى نعرفا .. نار اتلهلب ما تطفا ..
ما لقيت الجار .. او لا القيت السده والدار
مالقيت لاشى ..اللى راحو ناسى او هلي .. بعد يااغريفا …
فيك الضى او فيك ازويل ايعز على
او ماالقيتش !!! قعدت انكابى مستاحش .. مشيت إلدرنه
في ( بنغازي الثقافة مستقبل وطن ) شعارا لمعرض الكتاب في دورته الأولى في الفترة من 15 إلى 23 أكتوبر والتي تزينت بهذا الشعار المهم وكانت تحمل اسم شاعر الوطن ( أحمد رفيق المهدوي ) اختتم برنامجه الثقافي بندوة عنوانها «بنغازي الريادة» كانت تحت إشراف منتدى بنغازي الثقافي الاجتماعي شارك بورقة عمل فيها شاعرنا يوسف بمشاركة ورقات قدمها أعضاء المنتدى الصحفي مصطفى فنوش ، المهندس عبدالسلام الترهوني، والأستاذ عبدالدايم العمامي، والمهندس نجيب مطلوبة، والمهندس أحمد الزرقاني، واللاعب الدولي حسين منصور .. فكانت خطوة مهمة أخرى أضيفت لسيرة الشاعر مع أعمال ميزته فكانت لديه علامة دالة بتواريخها ومناسباتها إذ دلت على موهبته الشعرية ووطدت علاقاته في الوسط الثقافي أكثر فأكثر ويذكر لي من تلك القصائد التي سكنت روحه في الفصيح قصيدة : كوني إلهاً // ونداءات خلف جدار الزمن // و فكي الحصار .. وفي الشعر الغنائي قصائده : لا تسأليني // يام العيون الحور // ووين ننظرك ويستطرد ساردا أن (( لكل قصيدة قصة وذكرى .. منها ما شاركته أثناء مهرجان النهر الصناعي .. وبعضها في جميع مناشط منتدى بنغازي الثقافي الاجتماعي حيث كنت ولازلت عضوا فيه ضمن ثلة من وجهاء المدينة المثقفين أكاديميين وشعراء وفنانين وكتاب في مجالات شتى .. كما عضويتي في بهو الأدب والفن الثقافي ومشاركاتي في مناشطه المختلفة النصف شهرية اذكر انى شاركت فى مهرجان النهر الصناعى .. شاركت فى جميع مناشط منتدى بنغازى الثقافى الاجتماعى فى مناسبات عديده .. كذلك فى مناشط منتدى رواد الثقافه .. ومن قصائدى التى صوتها بدموع مدينتى الحبيبه درنه .. مراتع الطفوله ومدارج الصبى .. أضيفت لقصائدي وتاريخى الحزين .. تلك التي أعجبتني فكرتها فهي تتحدث عن شخص يعانى آلام الفقد والكبر وقد غزاه الشيب وحيدا فبث شكواه وهمومه للقمر ولكنه .. خشى ان يبوح القمر بما حكاه له لأن القمر بطبعه يشع على جميع الناس فيرجوه ويلّح فى الرجاء بأن يحفظ سره ويستره تقول القصيدة )) :
استر ماستر .. لوانشدوك عنى ياقمر .. مغفي قول واستر ماستر
امغفىّ قول واستر ما ستر…قوللهم امغفىّ….ضى الدار من المغرب امطفى…نايم نوم من دينا امصفىّ…له كم عام عمرا ماسمر..واستر ماستر….قوللهم سعيد…عايش عمر زاهى من جديد…او راك اتقول دمعا من بعيد …يهطل كيف هطلات المطر…واستر ما ستر…قوللهم احوالا…عال العال عايش فى دلاله .. واخرى زيد من عندك رساله..ابقول افراق ماعمرا نظر واستر ماستر … استر قول صابر..او راك اتقول رايح شين كابر…او قول الشيب عندا ما ظهر … او قول الشيب ما يعنيش كابر…وارث بوه فى لون الشعر .. واستر ماستر …. استر قول رايق…حتى انكان روحى موش طايق…او راك اتقول مر المر ذايق…ابسّرى بحت غير اكمى السر…او راك اتقول راحو فى الغرايق…احبابا لى كانولى ظهر…خذهم سيل متوحش او سايق…فى لافجار غادرهم غدر….او راك اتقول عايلات او قرايب…علم او اصل وانساب او صهر…كانو لى عزوه فى المصايب…صيت او جاه بيهم نفتخر…عاشو خوت جيران او حبايب…فى اجنانات ياسمين او زهر….عزّ او جود واسماح الدرايب….رحّابين بالضيف ان حضر…مطرا شين منا المرّ ذايق…راحو غدر فى أمواج البحر..واستر ماستر واستر ياقمر
سير بعض المثقفين حولنا لا تقف عند ماجمعناه من خطوات سبقت تاريخ بحثنا عنهم فيها فتجاربهم التي نسوقها قد تختصر على المبدعين الصغار حينما يقرأونها زمنا من التصويب هي أثار تتبع وعبر وحكمة تكمن بين سطور الحكايا .. وأتوقف هنا عند بودواره لكنه يستمر إبداعا إذ يفكر مستقبلا بجمع قصائده في ديوان أو أكثر ولديه من الورقات التوعوية والموضوعات التي تحدث عنها وسينفذها بإذن الله كعضو ببهو الأدب والفن الثقافي ماينضوي على حياة تضج لروح مبدعة وثابة هي استمرار لبيت مؤسسه وراعيه بودواره شمام المغربي شاعر وراوي .. ووالدة تقرض الشعر وغناوي العلم وتسرد المهاجاة .. وشقيقه الأصغر القاص والكاتب الصحفي الصديق بودواره . ويأتي يوسف بودوارة ابنا أكبر ورث كل هذا الإبداع وصقلته التجارب والمعارف والدراسة الأكاديمية والمحكات الحياتية وسننتظر من يضيف لهذه السيرة مايستجد من وثبات إبداعية عميقه في سني عمره القادمة بالخير .
جمعتها وأعدتها / عفاف عبدالمحسن