الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-01-22

9:02 مساءً

أهم اللأخبار

2025-01-22 9:02 مساءً

وجوه الزمن المتشظي

وجوه الزمن المتشظي

القاص- مجد الدين العماري

في مدينةٍ لا تعرف النوم ، حيث الضباب يلفّ الشوارع كغطاءٍ ثقيل، كان “بطلي” يسير بين الحشود، يحمل معه سؤالًا واحدًا: *من أنا؟*. لم يكن سؤاله عن اسمه أو ماضيه، بل عن تلك الوجوه التي تظهر في أحلامه، تلك التي تلوح في ذاكرته كظلالٍ لا تُمسك. كانت الوجوه حوله كصفحات كتاب مفتوح، كل وجه يحمل فصلًا من قصة لم تكتمل بعد.

كان بطلي يعتقد أن الوجوه ليست سوى أجزاء من حقيقة أكبر، كقطع أحجيةٍ متناثرة في عالمٍ لا يعرف الترتيب. كل وجه يراه يحمل شيئًا منه، لكنه لا يعرف كيف يجمعها معًا. كان يسير في الشوارع، يلتقط نظرات عابرة، يرى في كل عينٍ نافذة إلى عالمٍ مختلف، إلى حياةٍ لم يعشها، ولكنه شعر بأنه يعرفها.

في أحد الأيام، بينما كان بطلي يجلس في مقهى قديم، رأى وجهًا يعرفه جيدًا. كان وجه امرأة، عيناها تحملان عمقًا لا يُقاس، وكأنهما بحران يلتقيان في نقطة واحدة. نظرت إليه، فشعر بأن الوقت قد توقف، وكأن الوجوه كلها قد اختفت، ولم يبق سوى وجهها. كانت تحمل في نظرتها شيئًا من الحزن، شيئًا من الفرح، وكأنها تعيش عالمين في آنٍ … اقترب منها وحاول أن يجد الكلمات :

 ابتسمت وقالت : هل تبحث عن شيء؟

أجابها: أبحث عن وجهي.

ضحكت وقالت: ربما وجهك ليس سوى انعكاس لكل الوجوه التي رأيتها وتراها .

في تلك اللحظة ، شعر أن الأرض قد اهتزت تحت قدميه. نظر حوله ، وجد أن المقهى قد اختفى، وأنه يقف في مكانٍ فارغ، تحيط به مرايا من كل جانب. كل مرآة تعكس وجهًا مختلفًا : وجه طفلٍ يضحك، وجه رجلٍ عجوز يحمل تجاعيد الزمن، وجه امرأةٍ تحمل أسرارًا لا تُحصى. كان كل وجه يحمل جزءًا منه، لكنه لم يستطع أن يجمعها معًا. وجد نفسه أمام مرآةٍ عميقة ، كأنها بئرٌ بلا قاع ..

عندما حاول لمس إحدى المرايا، انكسرت ، وتناثرت شظاياها في الهواء. كل شظية كانت تحمل وجهًا، وكل وجه كان يحمل قصة. أدرك ياسين أن الوجوه ليست سوى أجزاء من حقيقته المتشظية، وأنه لن يعثر على وجهه الكامل أبدًا، لأنه يتغير مع كل نظرة، مع كل لقاء، مع كل حلم …

منذ ذلك اليوم ، توقف بطلي عن البحث عن وجهه. أدرك أن وجهه ليس صورة ثابتة ، بل هو لوحةٌ متحركة ، تتغير كل لحظة ، ومع كل تجربة. .. كل وجه يراه هو جزءٌ من هذه اللوحة ، قطعةٌ من فسيفساءٍ كونية ، بدأ يجمع الوجوه كشظايا مرآة مكسورة ، كل وجه يحمل جزءًا من حقيقته، وكل جزء يحمل سرًا جديدًا …

الوجوه ليست سوى مرايا تعكس أجزاءً منا، وأننا جميعًا نحمل في داخلنا وجوهًا لا تُحصى، كل منها يحمل قصة، وكل قصة تحمل سرًا، وكل سر يحمل وجهًا آخر.

لم يعد يبحث عن وجه واحد، بل عن وحدةٍ بين هذه الوجوه المتعددة.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة