أعدت مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، دراسة بعنوان “ظاهرة الاتجار بالبشر في القارة الأفريقية.. في ظل انتشار الصراعات وغياب القانون”
واتخذت الدراسة من ليبيا وأثيوبيا والسودان، حالات للدراسة التي سلطت الضوء على تحديات انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر في أفريقيا.
أسباب الظاهرة
هناك مجموعة من الأسباب والعوامل التي تسهم في تفشي ظاهرة الإتجار بالبشر في ليبيا ومنها حالة الفوضى والصراعات والنزاعات المسلحة التي تشهدها البلدان الإفريقية وتحديدا الدول محل الدراسة، والتي أدت إلى تدهور المؤسسات الحكومية، وخلق بيئة خصبة للجماعات المسلحة والخارجين عن القانون، لاستغال الوضع لممارسة الأنشطة غير القانونية، ومن بينهم عصابات الإتجار بالبشر، والتي تقوم باختطاف البالغين والأطفال وممارسة أبشع التصرفات تجاههم.
ومن بين الأسباب أيضا الاضطرابات السياسية والعنف العام في جميع أنحاء البلاد وعدم الاستقرار السياسي، وما يصاحب ذلك من نقص الرقابة الحكومية، جعل هذا كله البلدان الإفريقية بيئة مثالية للجماعات الإجرامية لممارسة أنشطتها المنافية لحقوق الإنسان وعلى رأسها الإتجار بالبشر دون الخوف من المحاسبة.
وتتمثل الأسباب أيضا في غياب إنفاذ القانون إلى جانب حدود البلاد الشاسعة وغياب السيطرة الكاملة عليها، عراقيل رئيسية أمام مكافحة جرائم الإتجار بالبشر، بل أسهما في إطالة أمد تلك الأزمة.
وأشارت الدراسة إلى أن التدهور الكبير من الفقر والبطالة الذي تعانيه البلاد اقتصاديا والأوضاع المعيشية البائسة، يدفع الكثيرين إلى الانخراط في أنشطة غير قانونية منها الإتجار بالبشر كوسيلة للحصول على الدخل وتحقيق أرباح عالية.
أوضاع الظاهرة
وأشارت الدراسة إلى أوضاع ظاهرة الاتجار بالبشر في ليبيا، فهي ليست جديدة، فهي تتكرر بشكل دوري على مدى السنوات الأخيرة، فمنذ إسقاط نظام القذافي عام 2011، أصبحت ليبيا قبلة لآلاف المهاجرين اليائسين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يرغبون في الوصول إلى السواحل الأوروبية، هرباً من حالة الفقر، وحالة الصراعات، مما يجعلهم فريسة للمهربين والمتاجرين بالبشر وهم من يتقنون فن الإجرام.
وبحسب مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، تُصنف ليبيا كواحدة من أعلى البلدان بالعالم في الاتجار بالبشر، بواقع 8.5 نقطة من 10، وحلت في المرتبة ال192 من أصل 193 دولة، وهي الأخيرة من بين دول أفريقيا من حيث القدرة على الصمود.
وتعتمد تلك النتيجة على غياب الفعالية في محاربة شبكات الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، وتعكس افتقاد ليبيا للمؤسسات اللازمة لمواجهة جرائم الاتجار في البشر.
ونتيجة انعدام قدرة المؤسسات الليبية على تحديد ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم، فإن العدد الحقيقي لضحايا الإتجار في البشر يظل غير معروف.
كما إن المهاجرين في ليبيا معرضون بشدة للاتجار بالجنس والعمالة، بما في ذلك أولئك الذين يسعون إلى الحصول على عمل في ليبيا أو يعبرون ليبيا في طريقهم إلى أوروبا.
وأفادت منظمة دولية أن مؤشرات الاستغلال والإساءة التي تصل إلى حد الاتجار بالبشر يعاني منها 76 في المائة من الرجال، و 67 في المائة من النساء، و 77 في المائة من الأطفال والشباب الذين يعبرون ليبيا، والمهاجرون الذين يعيشون في ليبيا معرضون للاستغلال من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك أصحاب العمل الذين يرفضون دفع أجور العمال.
ففي يناير 2024 قدرت التقارير أن ما بين 4 آلاف و 10 آلاف مهاجر ولأجي ومنهم العديد من ضحايا الاتجار غير المعروفين كانوا محتجزين في 11 مركز احتجاز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، وعدد غير معروف في مراكز الاحتجاز غير الرسمية الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة، وقد تعرضوا لمجموعات واسعة من الانتهاكات بما في ذلك الاتجار بالجنس والعمالة.
ظواهر منتشرة
وتناولت الدراسة الظواهر المنتشرة في ظل انتشار الاتجار بالبشر والتي تشمل العنف[H1] [H2] والاعتداء الجنسي الذي يعد شكل من أشكال الاتجار بالبشر، تجنيد الأطفال والعمالة القسرية.
دور الحكومة
وفيما يخص دور حكومة الوحدة الوطنية في مكافحة الاتجار بالبشر، فقالت الدراسة إن الافتقار إلى القدرات المؤسسية، فضلاً عن الافتقار إلى إنفاذ القانون، والجمارك، والأفراد العسكريين الليبيين، وخاصة على طول حدود البلاد، أدى إلى إعاقة جهود السلطات لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، فعلي الرغم من أن القانون الليبي يجرم بعض أشكال الاتجار بالجنس لكنه لم يجرم الاتجار بالعمالة.
وأضاقت على الرغم من أن ليبيا طرف في بروتوكول الأمم المتحدة عام 2000 بشأن الاتجار بالبشر، لكن لا تمتلك الحكومة المؤسسات والموارد اللازمة لمنع جريمة الاتجار بالبشر.
وأوضحت أنه لم يكن لدى حكومة الوحدة الوطنية هيئة تنسيق وطنية مسؤولة عن مكافحة الاتجار بالبشر، ولم تقم الحكومة بأي حملات توعية عامة لمكافحة الاتجار بالبشر، كما لم تتخذ إجراءات للحد من الطلب على الأفعال الجنسية التجارية أو التجارة بالجنس مع الأطفال، ولم تبلغ الحكومة عن اتخاذ خطوات لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل الميليشيات أو الجماعات المسلحة التابعة للحكومة أو المتحالفة معها أو الجماعات المسلحة الأخرى العاملة في جميع أنحاء البلاد.
وتابعت: ولم تكن لدى الحكومة أي هياكل أو إرادة سياسية لتحديد وحماية ضحايا الاتجار بشكل استباقي بين الفئات الضعيفة، مثل المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ومن بينهم النساء والأطفال، فضلاً عن ذلك، لم يعمل النظام القضائي الجنائي الليبي بكامل طاقته على مكافحة تلك الجريمة، حيث لا يوجد وحدات إدارية ومحاكم مخصصة للإشراف علي قضايا الاتجار بالبشر.
التوصيات
وأنهت الدراسة ما ورد فيها بتقديم مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان عدداً من التوصيات، من أجل الحد من انتشار تلك الظاهرة، وذلك بالتركيز على سياسة الوقاية والمنع، قبل سياسة المكافحة بالتجريم والعقاب.
كما طالبت حكومات الدول الأفريقية محل الدراسة تحديداً، بضرورة توفير إحصائيات عن حالات ضحايا الاتجار بالبشر، ووضع قوانين صارمة للحد من تلك الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان وتخالف القانون الدولي الإنساني.
كما دعت للعمل على إصدار دليل توجيهي بالممارسات الجيدة والإجراءات اللازمة الموحدة على نطاق واسع للموظفين الحكومية لتحديد الضحايا المحتملين بشكل استباقي، وتحديداً الفئات الضعيفة مثل الأطفال والنساء، وذوي الإعاقة والمرضى وكبار السن.
وأوصت بيكسولوجي بالتفكير جدياً في إنشاء هيئة سيادية مستقلة داخل كل دولة، يوكل إلها ملف مكافحة الإتجار بالبشر، وإنشاء محاكم ونيابات متخصصة بجريمة الاتجار بالبشر، إلى جانب تقديم الدعم اللوجستي والخبرة والتدريب والتأهيل اللازم للعاملين في مكافحة هذا النوع من الجرائم.
وأكدت الدراسة على ضرورة التركيز على توفير إيواء موقت لضحايا الاتجار بالبشر، وتوفير الحاجات العاجلة لهؤلاء الضحايا، مثل تحديد الهوية توفير الغذاء والملبس ومستلزمات النظافة الضرورية، الرعاية الصحية، ومساعدات طبية طارئة، الدعم النفسي، واستعادة الاتصال بأسرهم، وتيسر الوصول للعدالة بحيث يجازى الجاني ويعوض المجني عليه.
وشددت الدراسة على أن جريمة الاتجار بالبشر جريمة منظمة عابر للحدود فإن كل هذه الجهود لن تكلل بالنجاح ما لم تولي الأجهزة المختصة الاهتمام للتعاون الدولي الأمني والقضائي، مثل: المساعدة القانونية المتبادلة من أجل تسليم المجرمين والقبض عليهم ومقاضاتهم.