أزمة هوية تعيشها المدن الأمازيغية اشتعلت بعد قيام مجموعة من الأمن العام، والداخلية التابعين لحكومة الوحدة الوطنية بدهس علم الأمازيغ في حي الأندلس، وإجبار المارة على دهسه.
ونظم الأمازيغ وقفة احتجاجية في مدينة جادو بجبل نفوسا، ضد إهانة العلم الأمازيغي، فيما تطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي بين محتجين، وعناصر الأمن العام في العاصمة طرابلس، وتم تعليق العلم الأمازيغي على آلياتهم، وامتدت الاحتجاجات، وبيانات الرفض إلى العديد من المدن، سواء الأمازيغية، أو المدن الأخرى.
الأمازيغ
الحدث أثار ردود فعل عديدة، حيث أدان المجلس البلدي لبلدية زوارة بشدة هذا الفعل، الذي وصفه بالعدواني، الذي يستهدف طمس هوية أصيلة، ويهدف إلى زرع الفتنة بين أبناء الوطن، مؤكدا أن هذا التصرف المشين يعكس عقلية عنصرية مقيتة، ولن يُسمح لها بالتمدد، أو التأثير في نسيجنا الاجتماعي.
وشدد المجلس البلدي على أن هذه الراية ليست مجرد رمز، بل هي رمز وطني، قدمت جميع المدن الأمازيغية دماءها؛ في سبيل أن تبقى هذه الراية عالية، ولفتت إلى أن هذا الفعل يمثل اعتداءً صارخًا، على مكون أساسي من مكونات الهوية الأمازيغية، وهو انتهاك جسيم لقيم التعايش، والاحترام المتبادل، التي ينبغي أن تسود بين أبناء الوطن الواحد.
ودعا المجلس الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد مرتكبي هذا الفعل المرفوض، وحث جميع القوى الحية من جمعيات، ومنظمات، وهيئات مدنية على التكاتف؛ للدفاع عن القيم المشتركة التي تجمعنا.
وأطلق المجلس مبادرة لرفع العلم الأمازيغي في جميع المحلات، والمؤسسات، والبيوت في بلدية زوارة الكبرى، تعبيرا عن الاعتزاز بالهوية مشددا على أن الهوية الأمازيغية خط أحمر، وأي اعتداء عليها؛ هو اعتداء على كرامة الوطن أجمع.
حمَّل الأمازيغ في مدينة جادو رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ووزارة داخليته مسؤولية الإساءة للعلم الأمازيغي في طرابلس، مطالبين وزير الداخلية بالاعتذار الرسمي، والعلني؛ لضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات.
أهالي جادو
فيما دان أهالي مدينة جادو حادثة تدنيس العلم الأمازيغي، من قبل عدد من منتسبي وزارة الداخلية، بحكومة الوحدة الوطنية.
وأضاف أهالي جادو أن حادثة التدنيس ما هي إلا محاولة بائسة لترهيب الأمازيغ، وهي ليست عمل فردي، بل ممنهج، يعكس السياسة التي تمارسها بعض الجهات النافدة في الدولة ضد الامازيغ، من تطهير عرقي.
وشدد أهالي جادو على أن ما قام به منتسبي وزارة الداخلية، يعد جريمة عنصرية مكتملة الأركان، تستوجب محاسبة صارمة وليس مجرد استنكار، أو اعتذار شكلي.
وحمَّل أهالي جادو رئاسة الحكومة، ووزارة الداخلية المسؤولية الكاملة لما حدث، ومحاسبة كل المتورطين، مؤكدا أن كل الخيارات متاحة أمامهم، في حالة عدم القيام باتخاذ الإجراءات الرادعة ضد مرتكبي حادثة التدنيس.
الأمن العام
وفي محاولة لاحتواء الأزمة أعلن جهاز الأمن العام في طرابلس ملاحقة الأشخاص الذين دهسوا العلم الأمازيغي، في مقطع مصور في عين زارة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمحاسبتهم، وفق القانون، نافيا أن يكونوا من منتسبيه؛ مشددا على رفضه القاطع لهذه الأفعال التي تسعى لإثارة الفتنة، واستهداف الموروث الثقافي لمكونات الشعب.
ونفى جهاز الأمن العام، والتمركزات الأمنية ما تم تداوله حول تبعية المتسببين في الأزمة لجهاز الأمن العام، وأكد الجهاز أن الأفراد الذين ظهروا في الصور، والمقاطع المتداولة لا تربطهم أي صلة بجهاز الامن العام، وليسوا من منتسبيه .
وشدد الجهاز علي رفضه التام لمثل هذه التصرفات غير المقبولة، معتبرا إياها أفعال تسعي لإثارة الفتن ،والاستهانة بالموروث الثقافي للأمازيغ، وهو ما يتنافي مع القيم،والأخلاق التي يحرص عليها الجهاز، ومُنتسبوه، مجددا تأكيده على أهمية التماسك الاجتماعي بين جميع مكونات، وأطياف الشعب الليبي. ودعا إلى ترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل، وتعزيز روح الوحدة الوطنية، لما فيه مصلحة الوطن، وأمنه واستقراره .
وأكد جهاز الأمن العام أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة، لملاحقة المتسببين في هذه الفتنة، ومحاسبتهم وفقا للقانون، وأنه يجري البحث عنهم، وذلك لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال التي تهدد السلم الاجتماعي.
الوطني للحريات
من جانبه أدان المجلس الوطني للحريات، وحقوق الإنسان الفيديو المتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي يتضمن الاعتداء، والعبث بعَلَم المكون، والمورثات الثقافي للأمازيغ، من قبل أشخاص، وأفراد.
واستهجن المجلس بقوة مثل هذه الممارسات، والأفعال التي تهدف إلى طمس الهوية الثقافية، لمكون أساسي من مكونات المجتمع الليبي، وهو مكون الأمازيغ الذي تتواجد جدوره بليبيا منذ آلاف السنين، وهم جزء من الهوية الوطنية الليبية.
وأكد المجلس أن حقوق المكونات الثقافية محمية في العديد من المواثيق الدولية، وطالب الجميع بضرورة احترام حقوق هذا المكون الاجتماعي، والحفاظ على هويتهم الثقافية، وتراثهم، وتعزيز التعددية، والشمولية في المجتمع.
وبيَّن المجلس أن منظومة تشريعاتنا الوطنية جاءت؛ لتؤكد على حقوق المكونات الثقافية، واللغوية. فقد نص القانون رقم ( 18 ) لسنة 2013م على ذلك، فيما يتعلق بحقوق تلك المكونات، كذلك توجد مواد في قوانين أخرى تحظر الدعوة للعنف، مثل: المادة (9) من القانون رقم (29) لسنة 2012 بشأن تنظيم الأحزاب السياسية، والتي تحظر استخدام العنف بكل أشكاله، أو التهديد به، أو التحريض عليه، أو التحريض على الكراهية، والفتنة، أو نشر أي فكر مخالف للشريعة الإسلامية، أو الدعوة إلى الاستبداد السياسي كما تنص المادة (318) من قانون العقوبات على أنه كل من حرض علانية على بغض طائفة، أو طوائف من الناس، أو الازدراء بها، من شأنه أن يخل بالأمن العام، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة ، وبغرامة تتراوح بين عشرين دينارا ومائة دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين
وشدد المجلس على أن ليبيا واحدة بكل مكوناتها الثقافية، والاجتماعية، ولن يقبل المساس بحقوق أي مكون من مكونات المجتمع الليبي؛ حفظا علي النسيج الاجتماعي الذي حافظ على وحدته، وسلامته، رغم الظروف، والتحديات، والأزمات التي عصفت بليبيا منذ عقود، وطالب بفتح تحقيق في هذه الواقعة، وتقديم مرتكبيها للقضاء.
حكومة الوحدة
رسميا أعربت حكومة الوحدة الوطنية عن استنكارها الشديد لحادثة الاعتداء على العلم الأمازيغي، مؤكدة أن رئيس الحكومة أصدر تعليماته باتخاذ إجراءات قانونية صارمة، بحق المتورطين في هذا الفعل، لما يمثله من إهانة للوحدة الوطنية، ومحاولة لإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الليبي.
وأكدت الحكومة، في بيان رسمي رفضها القاطع لأي أعمال من شأنها المساس بالتماسك الوطني، مشددة على أن الهوية الأمازيغية جزء أصيل من الثقافة الليبية، وتحظى بالتقدير، والاحترام، وهو ما تُجَسد في مناسبات وطنية عدة، أبرزها: إحياء ذكرى ثورة 17 فبراير.
كما شددت الحكومة على أن ليبيا ستظل وطناً للجميع، قائماً على أسس الوحدة، والاحترام المتبادل، مؤكدة أن أي محاولات لإثارة الانقسامات سيتم التعامل معها بحزم وفقاً للقانون، في إطار حماية النسيج الاجتماعي، والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الليبي.
مجلس الدولة
إلى ذلك أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة المتنازع على رئاسته خالد المشري اعتزازه بالهوية الأمازيغية، كجزء لا يتجزأ من الثقافة الليبية.
وشدد المشري على رفض بث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد في ليبيا، ودعا المجلس الرئاسي، والحكومة، وجميع الجهات ذات العلاقة إلى تحمل مسؤولياتها في الحفاظ على النسيج الاجتماعي.
ودعا المشري الجهات المختصة إلى فتح تحقيق عاجل، وتقديم مثيري هذه الفتنة للعدالة، وحث الجهات المختصة على فتح تحقيق عاجل في حادثة دهس علم الأمازيغ، وتقديم المتورطين للعدالة، ووصفهم بمثيري الفتنة.
ودعا المشري المجلس الرئاسي، والحكومة، وجميع الجهات ذات العلاقة؛ لتحمل المسؤولية التي تضمن الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وأكد المشري اعتزازه بالهوية الأمازيغية، كجزءٍ لا يتجزأ من الثقافة المحلية الليبية، ورفض بث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد في ليبيا.
بين الحدث، وردود الفعل عليه يبقى المؤكد أن دهس العلم الأمازيغي نقطة سوداء أخرى، تضاف إلى سجل حكومة الوحدة المثقل باتهامات التطبيع، وسوء إدارة الأزمات، والنزاعات المسلحة بين العناصر التابعة لها.
