قدّم أستاذ الدراسات المستقبلية جامعة طرابلس، فيضي عمر الضراط، مقترحا حول تعزيز العمل البلدي في ليبيا نحو استقلالية مالية وهُوية عمرانية متميزة.
وأشار الضراط في المقترح إلى أنه في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها ليبيا، أصبح من الضروري أن تتبنى البلديات نموذجًا تنمويًا مستدامًا يُعزز الاعتماد على الموارد الذاتية ويحقق الاكتفاء المحلي.
ومن هذا المنطلق، بات على عمداء البلديات أن يُسهموا في بناء مجتمعاتهم وفق رؤية حضارية مستوحاة من الطراز الإسلامي، مع إبراز هوية كل بلدية بشكل يميزها عن غيرها، ويتم ذلك عبر خمس خطوات:
أولًا: الاعتماد على الموارد الذاتية في البناء والتطوير
لم يعد من المقبول أن تبقى البلديات معتمدة كليًا على الدعم المركزي، بل يجب أن تتوجه إلى تطوير مواردها الذاتية عبر استثمار الأصول المحلية، وفرض الضرائب وفق آليات واضحة، وتنظيم العمالة.
ومن أبرز الوسائل لتحقيق ذلك حسب الضراط: تنمية القطاعات المحلية من حيث تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطوير الأسواق التجارية وفق الطراز الإسلامي الذي يعكس العمق الثقافي والتاريخي لليبيا.
كما أشار لأهمية تعزيز الاستثمار البلدي عبر الاستثمار في الأصول البلدية مثل الأراضي والمرافق العامة، وتحويلها إلى مصادر دخل مستدامة، إضافة إلى إدارة الضرائب والرسوم عبر تطبيق نظام ضريبي عادل يُحدد بناءً على تصنيف العمالة وحصرها، مع فرض رسوم مناسبة على الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
ثانيًا: تعزيز الهوية العمرانية لكل بلدية
من المهم أن تبرز كل بلدية طابعها المميز، سواء في تصاميم الأسواق أو المنازل أو المحلات التجارية، بحيث تستمد البلديات نماذجها من المعمار الإسلامي، ما يعزز الهوية الوطنية والمحلية.
ولفت الضراط إلى آليات التنفيذ والمتمثلة في: وضع خطط هندسية مستدامة: اعتماد تصاميم تراعي البيئة المحلية وتتماشى مع الطراز الإسلامي، إلزام المستثمرين بمعايير البناء من خلال فرض معايير بناء موحدة تعكس هوية البلدية، وتقديم حوافز للمشاريع التي تلتزم بهذه المعايير، التنسيق مع الجهات المعنية عبر إشراك المجالس المحلية في مراجعة واعتماد التصاميم العمرانية.
ثالثًا: تحقيق الاكتفاء الذاتي في الخدمات العامة
على كل بلدية أن تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة، لتخفيف الضغط على الحكومة المركزية وضمان وصول الخدمات بشكل أكثر فاعلية.
وعدد الضراط خطوات تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنشاء وإدارة المرافق الصحية والتعليمية: استثمار العوائد المحلية في بناء مصحات ومدارس تدار من قِبل البلدية، الشراكة مع القطاع الخاص: تعزيز الشراكة مع المستثمرين المحليين لإدارة وتشغيل هذه المرافق، مراقبة الجودة عبر وضع معايير صارمة لضمان جودة الخدمات المقدمة.
رابعًا: تنظيم العمالة وتحديد نسبها
تعد العمالة من أهم عناصر التنمية الاقتصادية، وعلى البلديات أن تضع سياسات واضحة لتنظيم العمالة بما يتناسب مع احتياجات السكان.
وأوضح آليات تنظيم العمالة في إحصاء وتصنيف العمالة وذلك بالتعاون مع جهاز الحرس البلدي والأجهزة الأمنية لضبط أعداد العمالة وتوزيعهم وفق الحاجة، وتحديد نسب العمالة عبر بناءً على الإحصائيات السكانية، مع مراعاة التوازن بين العمالة المحلية والوافدة، إضافة إلى تحديد أجور العمالة من خلال وضع سقف عادل للأجور يراعي التوازن الاقتصادي المحلي، مع فرض ضرائب على العمالة الوافدة.
خامسًا: تعزيز التعاون الأمني والإداري
لتحقيق هذه الأهداف، يجب على البلديات التعاون مع الأجهزة الأمنية المختلفة لضمان تنفيذ السياسات بشكل فعّال.
وتمثلت سبل تعزيز التعاون في تنسيق الجهود بين المجالس المحلية والحرس البلدي والأمن الداخلي والخارجي والاستخبارات، ومراقبة الأسواق والعمالة عبر حملات تفتيش دورية لضبط المخالفات، وتعزيز الأمن المجتمعي من خلال تكامل الأدوار بين البلدية والجهات الأمنية لضمان استقرار المجتمع.
وختم الضراط مقترحه بالإشارة إلى أن اعتماد البلديات الليبية على مواردها الذاتية وبناء هوية عمرانية متميزة هو السبيل لتعزيز الاستقلالية المالية وتحقيق التنمية المستدامة.
وأضاف أن تنظيم العمالة وتنسيق الجهود مع الأجهزة الأمنية يعد ركيزة أساسية لضمان نجاح هذه السياسات.
وأكد الضراط على أن الأوان قد آن لعمداء البلديات أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية في قيادة مجتمعاتهم نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
