امجاور خليفة اغريبيل
هل نحن استفقنا من صدماتنا حتى نتكلم عن مابعد الصدمة؟ صدمة تتلوها صدمة، صدمة تعقبها صدمة، لا نفيق من صدمة إلا على وقع صدمة أخرى، لا نتماثل للشفاء إلا وتداهمنا صدمة جديدة. امة الصدمات نحن، لكننا لا نتعلم الدرس ولا نستنبط العبر والمواعظ على الإطلاق. منذ خروجنا من الأندلس منذ إن باع عبد الله الصغير غرناطة ونحن نعيش الصدمة.
منذ أن وطأ التتار بسنابك خيلهم جثة آخر خلفائنا في بغداد ونحن نعيش الصدمة.. منذ أن حطم نابليون أنف أبي الهول ونحن نعيش الصدمة، منذ أن وقف أحد جنرالاتهم على قبر صلاح الدين ليقول له ها قد عدنا يا صلاح. ونحن نعيش الصدمة. منذ أن حرقنا كتب ابن رشد وحاربنا العلماء ونحن نعيش الصدمة.. منذ أن توقفنا عن التفكير والتدبير وانشغلنا بالمعلقات وسيرة الهلاليين، وهل أكل لحم الإبل يبطل الوضوء ونحن نعيش الصدمة..
صدمتنا كانت يوم خرج من بيننا من يبيح قتلنا لأننا نختلف معه في الرأي.. بل كانت قبل ذلك بقرون يوم قتلنا خلفائنا وهم يصلون صلاة الفجر، صدمتنا تجذرت يوم سمحنا بقتل الحسين وصلب بن الزبير على أبواب مكة واستباحة جند الخلافة للمدينة.
صدمتنا قديمة يا غزة.. قدم دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا…قدم نكبتنا ونكستنا، قدم هزيمة جيوشنا الستة وقدم هزيمتنا في ستة أيام …فاغفري عجزنا عن نصرتك وجبننا امام شجاعتك وذلنا في مواجهة كبريائك..
صدمتنا قديمة يا درنة…. قدم الماء وقدم الوادي الذي سكن بجوارك خمسين عاماً وعندما ألفته طيورك وزهورك وأطفالك قرر أن يغادر وأن يحمل معه كل الذين احبوه.. لا نلومه بل نلوم انفسنا فقد نسينا في غمرة فرحتنا به نسينا أنه أتى من البحر والى البحر لابد ان يعود.. ما احوجنا إلى صدمة بحجم خيباتنا وانكساراتنا، صدمة بحجم احلامنا الموؤدة وامانينا المصادرة، صدمة بحجم الكون كله لعلها تعيد إلينا وعينا المفقود وتجعلنا نستفيق من سباتنا الطويل…!!
ألقيت ضمن الكلمات الافتتاحية في أمسية بهو الأدب والفن الثقافي تحت عنوان ((ما بعد الصدمة)) 2023 .