د . عبد القادر الأمين
تعريف مصطلحي التخلف والتقدم حسب المعايير الدولية
التخلف: مصطلح يعني عدم قدرة الدول على التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، نتيجة لعدم القدرة على استغلال القدرات البشرية العقلية والثروات المادية المتاحة.
التقدم: مصطلح اقتصادي يعني قدرة الدول على مواكبة التطور الاقتصادي للوصول إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي، بالاستخدام الجيد للموارد البشرية العقلية والثروات المادية.
العوامل الأربعة التي يقاس بها التقدم حسب المعايير الدولية:
العامل الاقتصادي: وهو القدرة على إنتاج السلع والخدمات استناداً على العلم والتكنولوجيا.
العامل القانوني: والذي يعنى القدرة على تنظيم حركة المجتمع وأفراده في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية استناداً إلى إجراءات محددة وملزمة وذات ثبات نسبي تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة.
البنية التحتية: والتي تتمثل في جميع المرافق العامة والخدمات (المدارس والجامعات النموذجية – شبكات المياه والصرف الصحي – الكهرباء – الاتصالات – المواصلات والنقل من مطارات ومواني طرق و جسور وانفاق وغيرها).
البنية الفوقية: وهو كل ما يتعلق بالجانب الثقافي والاجتماعي ومكوناتهما، وبما يشكل السلوك الرشيد لدى الأفراد والذي يجب أن يكون القوة الدافعة للتنمية والتقدم. فإذا كانت الأخلاق اختيارا والتزاما، فإن القانون إجبارا وإلزاما .. فمشاكل التخلف ليست ناتجة عن افتقاد الأخلاق والضمير الحي أو قصور الوازع الديني بقدر ما هي ناتجة عن قصور ضبط الأمور بالقانون. فالتخلف في الحقيقة ليس سببه الشعوب ولكن الأنظمة والدليل على ذلك أبناء الوطن (المتخلف إن صح التعبير) عندما يسافرون إلى دولة متقدمة للدراسة أو العمل يتفوقون ويبدعون لأن تلك البلدان يوجد بها نظام وإدارة رشيدة. ومثالاً أخر هو ما نلاحظه في البلدان الأوربية أو في أمريكا أن نسبة كبيرة من شعوبها ينتمي في أصوله إلى دول العالم الثالث، ونرى تصرفاتهم في الشارع وانضباطهم واحترامهم للقانون والنظام يكون مختلفاً كلياً عن أقرانهم في دولهم الأصلية، وهنا تلعب البيئة دوراً مهما في تقدم وتحضر أناس تنتمي إلى دول متخلفة وهذا مرجعه الإدارة والنظام.
أسباب ومظاهر التخلف في المجتمع الليبي:
تتداخل العديد من العوامل والأسباب والظروف التي مرت بها ليبيا خلال ما يزيد عن ستة عقود منذ نشأة الدولة الليبية أو بالتحديد منذ اكتشاف النفط. وحسب وجهة نظري تتلخص في الآتي:
- الفقر التعليمي
- غياب الإدارة الرشيدة (الشخص المناسب في المكان المناسب).
- النظام والقانون والعدالة.
- القهر الأمني، يتفنن من ينتمي إلى المجموعات الأمنية والعسكرية في قهر المواطنيين وترهيبهم من خلال البوابات الأمنية والمنافذ والمطارات وغيرها لزرع الرعب في نفوس المواطنين.
- انهيار النظام الصحي والدوائي، بسبب رفع الدولة يدها عن هذا القطاع وتكالب الشركات الدوائية والمصحات والصيدليات الخاصة وغيرها في الوصول إلى الكسب المادي السريع.
- الإعلام الهابط والهدام وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
- تدني الأخلاق والذوق العام وعدم احترام قواعد المرور بسبب غياب الرادع.
وفي هذا المقال سوف نركز على العامل الأول والأهم والذي له تأثير كبير على جميع العوامل الأخرى، ألا وهو تدني مستوى التعليم أو مايطلق عليه الفقر التعليمي، والذي من أهم أسبابه:
- الخلفية العائلية، وهي انخفاض مستوى تعليم الوالدين أو أفراد العائلة المسؤولين على تربية الطفل ومتابعة تحصيله التعليمي.
- استثمارات الأسر في التعليم (الجانب المادي).
- استثمارات الدولة في التعليم (ضعف الموارد المدرسية، تدني الحالة المادية للمعلم، ضعف المدرسين أو النقص في أعضاء هيئة التدريس من ذوي الكفاءة، التقصير في تجهيز المدارس والمباني الملائمة وتجهيز المدارس بالمعامل والمواد التعليمية).
- المناخ الدراسي (فقد المعلم قيمته المعنوية واحترامه في المجتمع، عدم انسجام الطلاب مع المعلمين بشكل جيد، عدم احترام الطالب للمعلم، ضعف أو سوء العلاقة ما بين الطالب والمعلم.
- ضعف أو انعدام الدافع للتعلم.
ففي الدول التي تولي التعليم أهمية كبيرة، يشترط المستوى التعليمي والتخصص للحصول على فرص مناسبة في سوق العمل. انخفاض مستوى التعليم يحمل في طياته مخاطر عالية للبطالة والبطالة المقنعة ويقلل من فرص الحصول على دخل مرتفع يلبي طموحات الفرد، كما أن الأفراد من ذوي المستوي التعليم العالي مهمون للاقتصاد الوطني بأكمله.
الكارثة في بلادنا منذ عقود أصبح الغرض من التعليم ليس التعّلم ولكن الحصول على شهادات جامعية وحتى عليا ولا عيب في أن تكون مزورة، لأن معايير تولي المناصب والمراكز القيادية العليا والمتوسطة في جميع المجالات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو تعليمية، ليس حسب معايير الجدارة والكفاءة ولكن إما عن طريق الولاء السياسي أو القبلي أو عن طريق المحاصصة، ومن يتولى هذه المناصب يكونون في الغالب غير مؤهلين، والخطورة تكمن في جانبين رئيسيين وهما: الجانب الأول أن مثل هؤلاء ومن وازع خوفهم على مناصبهم يقومون بتهميش الكفاءات وإبعادهم عن المشهد حتى وإن كانوا هؤلاء الكفاءات ليس لديهم طموح في تولي أي منصب، وبالتالي يقومون بالاستعانة بالفاشلين من أمثالهم، وينتج عن ذلك فشل هذه المؤسسة التي يقودونها، والجانب الثاني هو خطورة خسارة الأشخاص من ذوي الكفاءات نتيجة لتهميشهم بأن يتخذوا قرارات إما بانسحابهم من المشهد أو بمغادرة الوطن والبحث عن فرص في الخارج وهذا الشيء يعتبر خسارة اقتصادية كبيرة للوطن، والنتيجة هي استمرار التخلف وانهيار الاقتصاد الوطني.
مظاهر الحكم في الدول المتخلفة:
- يبقى الحاكم في الحكم حتى وفاته ويورّث أبناءه من بعده.
- يلتف بالحاكم مجموعة من المطبلين الفاشلين، هذه المجموعة تبني جداراً حديدياً أمنياً وإعلامياً حول الحاكم لتستمر في دورها في تسيير دفة الدولة والاستفادة المادية والاجتماعية.
- إذا كان الحاكم ذو رتبة عسكرية يعلق الأوسمة والنياشين حتى إن كان لم يدخل أي معركة عسكرية.
- تتوافد على الحاكم مجموعات قبلية أو حزبية أو غيرها (بشكل ممنهج) لتقديم الولاء والطاعة، هذه المجموعات تدّعي أنها نخب المجتمع، لكن في الحقيقة أنها مجموعة من الفاشلين والانتهازيين.
- إقامة احتفالات كبيرة في ذكرى وصول الحاكم إلى الحكم يصرف عليها الأموال الطائلة، ويسمى هذا اليوم يوما وطنيا للدولة.
- تخصيص أعلى نسب من ميزانيات الدولة لخدمة الأمن والدفاع، ليس أمن الدولة والمواطن والدفاع عنها ولكن لغرض التجسس على المواطنين وترهيبهم من خلال هيئات أمن الدولة وغيرها، وكذلك شراء الأسلحة والعتاد، كل ذلك يصب في بند حماية الحاكم.
- إهمال قطاع التعليم والبحث العلمي وعدم تخصيص أي ميزانيات له، وتعيين شخصيات انتهازية فاشلة لقيادته، وتهميش الكفاءات العلمية والخبراء، ومحاربتهم مادياً ومعنوياً بطرق ممنهجة.
- يعيش المواطن في فقر وحاجة باستمرار حتى لو كانت دولته غنية، ليصير همه الشاغل الركض وراء متطلباته الحياتية اليومية.
- انهيار القطاعات الخدمية وخاصة القطاع الصحي.
- تصبح هذه الدولة دولة الزعيم الأوحد الحاكم، وحسب التصنيف الدولي تصنف كدولة فاشلة.
مثال من الواقع: لو سألت مواطن ألماني لا يعمل لقال لك أنا لازلت ابحث عن فرصة عمل حتى لو أني الآن اتقاضى منحة الإعانة الإجتماعية باعتباري عاطل عن العمل، وهذه ليست رغبتي ولا طموحي.
أما لو سألت مواطن ليبي لا يتقاضى مرتب من الدولة، لقال لك أن مازالت أبحث عن تعيين، وليس عن عمل والغرض الأساسي من التعيين هو الحصول على مرتب من الدولة فقط.
ميزانية ليبيا للعام 2022 | ||
الباب الأول | الباب الثاني | |
وزارة الدفاع والجهات التابعة لها | 6,218,400,000 | 1,532,000,000 |
وزارة الداخلية والجهات التابعة لها | 4,620,500,000 | 303,600,000 |
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجهات التابعة لها | 1,714,250,000 | 287,500,000 |
المصدر: القانون رقم 3 لسنة 2022 م باعتماد الميزانية العامة للدولة الليبية لسنة 2022 م. (نشر في 29 يونيو 2022) |
ميزانية ليبيا للعام 2023 | ||
الباب الأول | الباب الثاني | |
وزارة الدفاع والجهات التابعة لها | 6,885,806,300 | 1,782,000,000 |
وزارة الداخلية والجهات التابعة لها | 6,105,530,200 | 305,600,000 |
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجهات التابعة لها | 2,431,151,400 | 290,250,000 |
المصدر: القانون رقم 29 لسنة 2023 م باعتماد الميزانية العامة للدولة الليبية لسنة 2023 م. (نشر في 12 أكتوبر 2023) |
منقول: تنفق ليبيا على الأجهزة الأمنية والعسكرية ( 7,881,466,881) أي مايقارب من 8 مليار دينار ليبي (على الرغم من أن الميزانيات المخصصة لهذين القطاعين تفوق هذا الرقم بكثير)، وفقا لبيان مصرف ليبيا المركزي الصادر في 30 نوفمبر 2023. هذا المبلغ يعادل ما نسبته 8.6 في المائة من الانفاق العام للدولة في 11 شهراً فقط. (المصدر: ورقة تحليلية بعنوان حجم الإنفاق على القطاعات الأمنية والعسكرية في ليبيا، 14 ديسمبر 2023، المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية).
ماذا لو أن هناك وطنية وعزيمة وشجاعة من الجهات العليا في الدولة وبقرار شجاع مفاده انفاق هذه الأموال الطائلة التي تصرف على قطاعي الأمن والدفاع بصرفها على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا، وعلى الأقل تبّني خطة زمنية محددة المعالم مع ضرورة اختيار قيادات لهذا القطاع بمعايير الكفاءة والخبرة وجودة التحصيل العلمي .. لكم التعليق والتحليل.
في الملحق التالي جداول توضح بالأرقام دول العالم المتصدرة من ناحية الدخل والمتقدمة في مجال التكنولوجيا والابتكار، كما يمكن ملاحظة أن بعض الدول قليلة السكان ودول أخرى ليس لديها مصادر أو ثروات طبيعية، ولكن الناتج القومي لها مرتفع، هذه الدول تعطى قيمة للتعليم والبحث العلمي والتطوير وتخصص نسب عالية من ميزانياتها لهذا الغرض. الاستثمار في العقل البشري هو أفضل استثمار.
ملحق:
الجداول التالية توضح أفضل اقتصاديات في العالم ونسبة ماتنفقه هذه الدول على عملية البحث والتطوير.
أفضل اقتصاديات العالم ونسبة ماتنفقه من دخلها القومي على عملية البحث والتطوير (المصدر : المنظمة العالمية للملكية الفكرية) | ||||
اسم الدولة | ترتيب الدول حسب مؤشر الابتكار العالمي (2023) أفضل اقتصاديات في العالم | نسبة الانفاق على البحث والتطوير من إجمالي الناتج المحلي | إجمالي الناتج المحلي (2023) GDP بالمليار دولار | عدد السكان بالمليون نسمة |
سويسرا | 1 | 3.36 % | 737.8 | 8.7 |
السويد | 2 | 3.42 % | 684.5 | 10.5 |
الولايات المتحدة الأمريكية | 3 | 3.46 % | 25,035.2 | 338.3 |
المملكة المتحدة | 4 | 2.91 % | 3,776.0 | 67.5 |
سنغافورة | 5 | 2.16 % | 701.0 | 6.0 |
فنلندا | 6 | 2.99 % | 324.8 | 5.5 |
هولندا | 7 | 2.31 % | 1,226.7 | 17.6 |
ألمانيا | 8 | 3.14 % | 5,316.9 | 83.4 |
الدنمارك | 9 | 2.81 % | 411.0 | 5.9 |
كوريا الجنوبية | 10 | 4.93 % | 2,765.8 | 51.8 |
فرنسا | 11 | 2.22 % | 3,688.3 | 64.6 |
الصين | 12 | 2.43 % | 30,074.4 | 1,425.9 |
اليابان | 13 | 3.30 % | 6,110.0 | 124.0 |
الكيان الصهيوني | 14 | 5.56 % | 496.8 | 9.0 |
كندا | 15 | 1.55 % | 2,240.4 | 38.5 |
إستونيا | 16 | 1.75 % | 61.4 | 1.3 |
هونغ كونغ | 17 | 1.07 % | 518.7 | 7.5 |
النمسا | 18 | 3.26 % | 599.5 | 8.9 |
النرويج | 19 | 1.94 % | 425.6 | 5.4 |
أيسلندا | 20 | 2.81 % | 24.9 | 0.4 |
لكسمبورغ | 21 | 1.04 % | 91.1 | 0.6 |
ايرلندا | 22 | 1.13 % | 666.3 | 5.0 |
بلجيكا | 23 | 3.43 % | 723.1 | 11.7 |
استراليا | 24 | 1.83 % | 1,615.3 | 26.2 |
مالطا | 25 | 0.67 % | 29.4 | 0.5 |
إيطاليا | 26 | 1.45 % | 3,022.2 | 59.0 |
نيوزيلندا | 27 | 1.45 % | 261.0 | 5.2 |
قبرص | 28 | 0.83 % | 44.8 | 1.3 |
إسبانيا | 29 | 1.43 % | 2,216.0 | 47.6 |
البرتغال | 30 | 1.73 % | 432.1 | 10.3 |
الجمهورية التشيكية | 31 | 2.00 % | 514.7 | 10.5 |
الأمارات العربية المتحدة | 32 | 1.50 % | 814.7 | 9.4 |
سلوفينيا | 33 | 2.13 % | 105.5 | 2.1 |
لتوانيا | 34 | 1.11 % | 130.7 | 2.8 |
المجر | 35 | 1.64 % | 409.8 | 10.0 |
ماليزيا | 36 | 0.95 % | 1,096.5 | 33.9 |
لاتفيا | 37 | 0.74 % | 72.0 | 1.9 |
بلغاريا | 38 | 0.77 % | 198.3 | 6.8 |
تركيا | 39 | 1.40 % | 3,321.0 | 85.3 |
الهند | 40 | 0.65 % | 11,665.5 | 1,417.2 |
بولندا | 41 | 1.44 % | 1,599.0 | 39.9 |
اليونان | 42 | 1.46 % | 387.8 | 10.4 |
تايلاند | 43 | 1.21 % | 1,479.6 | 71.7 |
كرواتيا | 44 | 1.24 % | 150.4 | 4.0 |
سلوفاكيا | 45 | 0.92 % | 211.1 | 5.6 |
المملكة العربية السعودية | 48 | 0.46 % | 2,018.3 | 36.4 |
قطر | 50 | 0.68 % | 303.6 | 2.7 |
إيران | 62 | 0.79 % | 1,599.2 | 88.6 |
المملكة المغربية | 70 | 0.66 % | 359.7 | 37.5 |
المملكة الأردنية | 71 | 0.70 % | 123.4 | 11.3 |
تونس | 79 | 0.75 % | 151.5 | 12.4 |
بوتسوانا | 85 | 0.56 % | 47.0 | 2.6 |
مصر | 86 | 1.02 % | 1,662.0 | 111.0 |
رواندا | 103 | 0.76 % | 37.6 | 13.8 |
الجزائر | 119 | 0.53 % | 600.7 | 44.9 |
المصادر والملاحظات:
- ما ورد في هذه الجداول هي أرقام واحصائيات صادرة عن البنك الدولي.
- ما ورد في هذه الجداول هي تصنيفات وأرقام صادرة عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
- عدم ورود اسم ليبيا في الجداول سببه أن في احصائيات البنك الدولي لاتوجد بها بيانات فيما يخص نسبة الانفاق على البحث والتطوير أمام اسم دولة ليبيا (فراغ أمام إسم دولة ليبيا)، أما فيما يخص تصنيف المؤشر العالمي للابتكار الذي يصدر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية فإن ليبيا للأسف خارج التصنيف.