أزمة جديدة تتفجر في ليبيا، وتزيد من تأزم الوضع وتعقد المشهد السياسي الذي لا يكاد يهدأ حتى يحدث أمر يُعيد الوضع لنقطة الصفر.
في هذه الأزمة تختلط المشكلة بين السياسة والاقتصاد وتنعكس كل منهما على الأخرى بشكل واضح، فالأمر يتعلق بمصرف ليبيا المركزي.
توحيد البلاد
بدأ الموضوع عندما قرر مجلس النواب العمل على اتخاذ خطوات عملية لتوحيد البلاد وإنهاء حالة التشرذم الجارية، والحد من تكرر أحداث الاحتراب والاشتباكات التي تتكرر بين الحين والآخر في المنطقة الغربية دون اتخاذ الجهات المعنية خطوات عملية لمعالجة الأزمة من جذورها، وهذا ما أكد عليه رئيس مجلس النواب في جلسة عقدت في 13 أغسطس، عندما صرح: “نسعى في مجلس النواب لتحقيق سلطة واحدة قادرة على السيطرة والعدالة بين الشعب”.
وأضاف أن “العاصمة طرابلس وقعت تحت سيطرة عصابات مسلحة أعلنت وجودها بعد انتخابات مجلس النواب”.
ولتحقيق هذه الأهداف صوت مجلس النواب في جلسة رسمية عقدها في 13 أغسطس بالإجماع، على إنهاء ولاية السلطة التنفيذية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، واعتبار حكومة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة.
كما صوت المجلس على اعتبار القائد الأعلى للجيش هو رئيس مجلس النواب، وذلك وفقًا لما جاء في الإعلان الدستوري وقرار مجلس النواب بالخصوص.
قرار الرئاسي
توحيد البلاد، وتخليص العاصمة من سيطرة العصابات كان هدف مجلس النواب، ولكن المجلس الرئاسي واجه الأمر، واعتبره تحديًا فأصدر قرارًا بعد أيام، بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركز الصديق الكبير، في خطوة مفاجئة من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم التوترات.
الرئاسي عيّن بدلًا عن الصديق الكبير، محمد عبد السلام الشكري محافظا جديدا للمركزي .
ردود فعل دولية
قرار المجلس الرئاسي المثير للبلبلة رد عليه المحافظ المعتمد الصديق الكبير، من خلال مهاتفة جرت بينه وبين نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، القائمة بأعمال رئيس البعثة لدى ليبيا ستيفاني خوري، تضمنت مناقشة التهديدات المتزايدة التي تطال أمن وسلامة المصرف المركزي وموظفيه وأنظمته، وضرورة الحفاظ على استقرار المصرف المركزي واستمرار قيامه بدوره الهام في المحافظة على الاستدامة المالية للدولة.
وفي هذا الصدد أكدت خوري على دعم الأمم المتحدة الكامل لمصرف ليبيا المركزي ودعمه في دوره في الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والحفاظ على مقدرات البلاد.
كما رحبت بدعم مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للمصرف المركزي ورفضهما الإجراءات أحادية الجانب المتخذة من قبل المجلس الرئاسي والخارجة عن اختصاصاته.
نفس المحاور تحدث فيها الكبير مع سفير المملكة المتحدة لدى ليبيا مارتن لونغدين، حيث أعرب عن دعم بلده لمصرف ليبيا المركزي في دوره البارز طيلة السنوات الماضية في الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والحفاظ على مقدرات البلاد.
كذلك أكد المبعوث الخاص الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند دعم بلاده الكامل لمصـــــــــــــــرف ليبيا المركزي تجاه تلك التهديدات والمحافظة على استقرار المصرف المركزي من اجل القيام بالدور المناط به على أكمل وجه.
قرار النواب
ورأى المراقبون أن هذه التصريحات تعد خير رد على الرئاسي وخطوته غير المحسوبة حسب رأيهم، ودعمها اجتماع موسع عقده الصديق الكبير من مكتبه مع عدد من مدراء إدارات مصرف ليبيا المركزي، لمتابعة سير عمل إدارات المصــــــــــــــرف المركزي، وعودة منظوماته للعمل.
ومع ذلك أصدر مجلس النواب قرارًا بإيقاف العمل بقرار تكليف محمد الشكري محافظًا لمصرف ليبيا المركزي الـــذي كان قد أصدره قبل 6 سنوات، مرجعًا ذلك إلى مضي مدة تكليف الشكري بمهامه دون مباشرة عمله كمحافظ للمصرف، وفي القرار ذاته أكد المجلس استمرار العمل بقرار البرلمان القاضي بتكليف الصديق الكبير محافظًا للمركزي ومرعي البرعــصي نائبًا له.
تجميد الأرصدة
لم يكتفي رئيس المجلس عقيلة صالح بذلك، بل أكد أن محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي مستمران في هذه المرحلة، إلى حين الاتفاق مع المجلس الأعلى للدولة على المناصب السيادية.
وحذر في كلمة خلال جلسة المجلس المنعقدة الإثنين الماضي من أن خطوة المجلس الرئاسي تسمية محافظ جديد للمصرف “قد تكون سببا في تجميد الأرصدة الليبية وتعرض منظومة السويفت للخلل وانهيار العمــــــلة المحلية “.
وأوضح أن اختيار المناصب السيادية ومنها مجلس إدارة المصرف المركزي “من اختصاص مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة”، لافتا إلى أن صلاحيات المجلس الرئاسي محددة وفق مخرجات ملتقى الحوار السيــــاسي الليبي، ولا تتضمن تعيين أو إعفاء محافظ المصرف المركزي.
وأضاف أن “المجلس الرئاسي انتهت ولايته بحسب قرار مجلس النواب في الجلسة السابقة، لكن باب الحوار مفتوح مع كل الليبيين ومع المجلس الأعلى للدولة، ونحن بحاجة إلى سلطة تنفيذية توحد البلاد وتؤدي إلى الانتخابات”.
رد فعل مجلس الدولة
تزامنت تصريحات صالح مع بيان أصدره المجلس الأعلى للدولة والذي تضمن ضرورة استمرار الصديق الكبير في منصبه إلى حين البت في المناصب السيادية، واصفًا قرار المجلس الرئاسي بالمنعدم والذي لا قيمة له ولا يُعتد به.
واستند مجلس الدولة في وصفه إلى أحكام الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي والتفاهمات السياسية بين مجلسي النواب والدولة في أبوزنيقة وقرارات مجلس الأمن الدولي.
كما رفض مجلس الدولة في بيانه اعتماد المجلس الرئاسي على قرار مجلس النواب رقم 3 للعام 2018 في تسمية محمد عبدالسلام الشكري، “لمخالفته المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي، حيث لم يكن هناك توافق بين المجلسين لتعيين محافظ المصرف المركزي، وكذلك رفضته في حينه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لذات السبب”.
إرباك المشهد
فيما اتهم عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى، المجلس الرئاسي بمحاولة خلط الأوراق لإطالة أمد الفوضى في ليبيا بعد فشله في أداء مهامه، مضيفًا أن الرئاسي يحاول استغلال الأزمة والصراع السياسي في البلاد، ويغطي فشله بقرارات تزيد الأزمات في ليبيا، وأشار إلى أن قرار إقالة الكبير سيؤثر سلبًا على الوضع الاقتصادي في البلاد.
من جانبه أكد عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة، أن قرار إقالة الكبير صدر من جهة غير ذات اختصاص فالرئاسي صلاحياته واضحة في اتفاق جنيف.
ورأى بن شرادة أن الغرض من قرار الرئاسي هو خلط الأوراق وإرباك المشهد أكثر مما هو عليه، مؤكدا أن المرحلة الحالية تحتاج التوجه نحو تجديد شرعية الأجسام الموجودة وليس خلط الأوراق بينهم.
أما رئيس الحريات العامة لحقوق الإنسان بنقابة المحامين محمد العلاقي، فتساءل عن سبب إصدار هذا القرار إذا كان غير قادر على تنفيذه، داعيًا للكف عن اللعب بأعصاب الناس، مضيفًا أن “المسالة أصبحت مسألة أخلاقية يندى لها جبين كل من له ذرة وطنية”.
قفزة في الهواء
فيما وصف عضو المجلس الوطني الانتقالي سابقا عبد الرزاق العرادي قرار الرئاسي بتكليف الشكري محافظًا لمصرف ليبيا المركزي، بأنه قفزة أخرى في الهواء، وخلط للأوراق.
وفي نفس السياق، أكد وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير، إن قرار تعيين المحافظ سنة 2018 لا يشمل مجلس إدارة جديد هذا أولا، ثانيا المحافظ يعين لمدة خمس سنوات وقرار محمد عبد السلام الشكري، مضى عليه ست سنوات، والقانون لا يفرق بين من مارس اختصاصاته كمحافظ أو من لم يمارسها كالشكري فالعبرة إذا في احتساب الزمن هو تاريخ التعيين.
وأضاف الصغير أنه “لم يرد في أي من الاتفاقات السياسية بأن للمجلس الرئاسي أي اختصاص في إدارة المصرف المركزي أو تسيير شؤونه، ومجلس المنفي وردت اختصاصاتهم على سبيل الحصر”.
وتابع؛ “فلا يجوز قانونا ولا منطقا التوسع فيها ولا القياس عليها”، وأردف؛ “رابعا مجلس المنفي لم يستطع نشر قرار بالخصوص واكتفى بمنشور على الفيس بوك وعليه من يريد الطعن في تصرفهم بأن يطبع منشورهم على الفيسبوك”.
رفض يستند على القانون وخطوة مثيرة للشكوك وقفزه في الهواء غير محسوبة، وبين هذا وذاك يتأثر الوضع الاقتصادي وينحدر سعر العملة الوطنية أكثر، بالتزامن من زيادة تعقد المشهد السياسي.