الإعلامي الفنان -منصور درميش
عام على الفقد عام على الوجع حين كَتَبَنا القدرُ سطرَ حزنٍ أدمى المدامع.. يوم كنا الرواية الأكثر مأساوية في مثل هذا اليوم قبل عام اعتصرت مخالب دانييال خاصرة درنة.. آن مخاضٍ عسير أنجب الفواجع أعلن الحداد وقض المضاجع فماعاد يهنئ نوم ومن ينسى ذلك اليوم … في مثل هذا اليوم قبل عام وجد الموت أرضًا خصبةً مبللة فنثر بدور الفقد فيها وقطف الأرواح بكل سهولة كأنه موسم الحصاد.. هوت المنازل على ساكنيها وخاب ظن من ظنّا أن بيته هو الملاذ.
أجسادٌ تكومت على الرصيف تحمل روايات العشاء الأخير الليلة الأخيرة ساعة القدر آخر الدقائق لمن حاولوا النجاة .. أكوام الحجارة كتبت رسائل الوداع نيابةً عن سكانها..
أُجبر الياسمين على الذبول حزنًا على تلك الزاهرة التي تتغزل بطيب روائحه.. وسط الوادي محاذيًا لعراجين الموز وبالقرب من البطحاء التي تراقصها أمواج الشلال طربًا وابتهاجًا… سكت الجميع حين اُلجم الفرح حزنًا.. في أولى صفحات الرواية .. صباح خريفي بغيوم متناثرة .. عاصفة مطرية تودع اليونان تاركة خلفها إرثًا ثقيل.. لترسو على سواحل مدن شرق ليبيا.. التحذيرات سيدة الموقف الترقب والتوجس زائر في كل الشوارع .. نبؤة الشعراء حضرت .. فكتب شهيد الماء الشاعر مصطفى الطرابلسي ..
المطر
يفضح الشوارع الرطبة
المقاول الغشاش
والدولة الفاشلة
يغسل كل شئ
أجنحة العصافير
ووبر القطط
يذكر الفقير
بسقفه النحيل
وردائه الهزيل
يوقظ الاودية
من تثاؤب الاتربة
ووسن اليباس
المطر
شارة خير
وبشارة رفد
وناقوس خطر
نعم وها هي نبؤة الشاعر تصدق فنزل المطر وتعملق الماء جارفًا السد ومن احتمى به ليحط رحالهم في قاع البحر الذي اتسع صدره ليكون محطة أخيرة لسكان الزاهرة الذين تناثرت أجسادهم كما يتناثر رمانها.. صفحات الرواية حبرها دمٌ ودموع.. تكاتفت واختلطت لتكتب درنة نصًا آخرًا صورةً أخرى مات فيها من نجا ونجا منها من مات..! عام مر والجرح استقر .. ونظل نستتذكرها .. درنة .. شواهد الفقد وملامح الإعمار.