ولد الشاعر والكاتب محمد علي الدنقلي في زلة – ليبيا1957
زله زعم .. زَلّه زعم .. ولا زلال ..
ولا نغم .. فرح .. كشك وعلم
في ليل فوق رمال ..
ولا حكايه تختلف … من الياء لعند الألف ..
زله بعد مانقولها نسكت خلاص مانحكي
مازال حاير دونها … أنا خاطري مازال
يكتبُ الشعر المحكي والنص المسرحي بجرة إصبع مغموس في مداد القلب .. لكنك حين تلمحه تدرك أنه يتمعن الكلام حتى يكاد يترك المأكل والمشرب ليظل ذلك الزلاوي المولود هناك حينما كانت قرية ضمن مدينة معها مناطق أربع والخمسة يشكلونه من قمة رأسه إلى أخمص قدمه لونا ومنطقا وهنداما ولكن بعمق العمق ، محمد علي الدنقلي من أسميه أنا الساحر حين أقدمه على المنابر في الأماسي المعدة باسمه والمهرجانات التضمه مع كتاب المحكية وعشاقها ومريدي الفنون الجميلة برمتها إذ يحتويها هو في ” كلمة محكية ثم فن إلقائي لا يزاحمه فيه أحد ثم حركات مسرحية مستولدة من معاني القصيدة الحكاية .. ولم أقل عنه يكتب المحكي والنص المسرحي لهذا بل لأنه أيضا كتب للمسرح عديد الأعمال التي تركت علامة لدى فناني المسرح وجمهوره .. ربما كما صاغته مدينته زله شكلته مهنة التدريس حيث تحصل على دبلوم معلمين ، إضافة إلى دراسته الجامعية بعد ذلك والتي لم يكملها في مجال العلوم السياسية .. ليدرس فنا آخر يشبهه روحا رقيقة شفافة بأحاسيسها المرهفة تجاه الخيال المتلبسه ليصيغه شعرا نابعا عن الشعور فدرس الموسيقى بمعهد جمال الدين الميلادي بطرابلس.
ولم يطيل عملا تدريسيا لما استهواه مجال الإعلام فخاضه بقوة في مدينته الثانية مصراتة التي شهدت حياة عائلية كاملة بزوج وأبناء بين صحب وعوائل في انصهار كامل مع واقع المدينة التي جاءها صبيا وكبر فيها سنا ووظيفة واسما أدبيا لا معا في لونه القريب من بوح وروح الشارع الليبي .. القريب من الشارع العربي كنها وعقيدة كما بعض الدول الشقيقة القريبة منّا حتى عادات وتقاليد وكلمات متداوله لهجة مناطقية .. وحين ذاع صيت أشعاره المحكية بالليبي فيها ومع كثير من المهرجانات والأماسي التي حضرها بعض الشعراء في ليبيا والتي دعي إليها خارج الوطن .. تحصَّل الشاعر الليبي محمد الدنقلي على العضوية الشرفية لاتحاد الكُـتَّـاب التونسيين سنة 2014 . بعض مؤلفاته التي صدرت في البدايات البعيدة القريبة // نثار الليل وكم تلقفه المنتظرينه بشغف من كتاب وأدباء وذواقة لقى نثار الليل قبولا كبيرا في الوسط الثقافي والمجتمعي عامة ليصدر بعده للشاعر الساحر كلمة وإلقاء وحضورا على منابر الشعر : ديوان أبصر كيف – توحشتك _ وفي شي . أقتطف لقارئ سيرة الوجد الناعمة القاسية في آن من أعمال الدنقلي قصيدة يطالبه بها جمهور الحضور عادة في الأماسي توحشتك :
توحشتك توحشتك ونبي انقوله ثاني
وكل ماقلتها مرة ..تطفي حرقة احزاني
وبعد عطرتها باسمك .. نبت نوار في لساني
توحشتك .. توحشتك .. توحشتك..
خذاني شوق .. جنح بيا بعيد .. بعيد
وخطمني علي شاطئ .. معا ميدة الريح ..يميد
سرق سمعي .. غناء بحار .. نسى روحه وتمى يعيد
يلا . لالال . يالالي .. ياشوق الشوق .. ليش تزيد؟
وتما يقول مواله : توحشتك .. بلا تحديد
غناء البحار .. ع الاشواق .. جبرني جبر .. ع التنهيد
وذكرني اني مشتاق .. وبكاني بكاء الوليد
وخلاني بعد نشتاق .. نعبي دنية العشاق
توحشتتك .. توحششتك .. ونبي نقولها ثاني
وكل ماقلتها مره .. تطفي حرقة احزاني
وبعد عطرتها اسمك .. نبت بستان في لساني
توحشتك .. توحشتك .. توحشتك
وفي لحظة وانا ساكت .. صدى صوتي يرددها
وفي لحظة وانا ندوي .. لوكان نلقى نجحدها
وكاني نسيتها صدفة .. تجي صدفة .. تجددها
خواطر واجده تخطر ..مابين اللي .. تلمدها علي لساني
وبين اللي تبددها
توحشت العيون السود .. ونجواها وتنهدها
توحشت العيون السود .. لما تشيل هدب لفوق
وين تهمز .. وين تلمز .. وين وين تهمدها
توحشت الرمل فيها .. الجبل فيها ..النخل فيها
وحتى شتاء الصحراء .. اشتقت يجمد أطرافي
وتوحشته .. يقدقدها
ويزرعني زهر في بر ..عسى النسمات تحصدها
وترويها علي السمار .. وللعشاق تسردها
مواويل وطرب وأشعار .. وكل ماسمعتها مرة
تطفي حرقة أحزاني .. وبعد عطرتها اسمك
نسيت اسمك علي لساني
توحشتك .. توحشتك .. توحشتك
يقول عن المحكية .. قصائد لا تنشغل بالتنوير أو الحداثة .. ولا حتى التغيير .. هو وليد معطيات معينة توافرت فظهر كنتاج لها ويصورها كينونة متحركة كأي مدرسة أو اتجاه أدبي لا تهدف إلى مصادرة أي مشهد فكري يأتي بعدها .. وفي أحد اللقاءات عرف محدثا عنها : وُلدت المحكية في عدد من البلدان العربية كمصر وسورية ولبنان… إلخ، وجاء ظهورها سابقًا لمشهدها الليبي، هذا التأطير يعطيها أحقية الريادة، لكن في المقابل برزت منذ السبعينات بليبيا نصوص تنبئ بقصيدة قادمة، وتطرق بعض الكتاب والنقاد في مقالاتهم إلى حاجة المشهد الشعري إلى رؤية تجديدية، كما بين ذلك الدكتور علي برهانة في مقدمة كتابه ديوان الشعر الشعبي، أيضًا للشاعر علي عبد اللطيف نص «كوشة الصفار» كتب في نهاية الستينات ضمن ديوان «دمعة الحادي» يتبنى ذات الإيقاع والأسلوب والتقنية التي يقوم عليها الشعر المحكي، وكذا الشاعر عبد الرزاق الماعزي الذي قطع شوطًا طويلًا في هذا الاتجاه .. من أجمل مشهديات نصوص الدنقلي :
«أول صبح في عمري .. نحسه جايني بروحي
صباح الخير يا…….. صباح النور ياعيني »
أنا لست موظفًا عند المحكية .. عندما سمعت أن الدنقلي في أحد لقاءاته قال هذه العبارة لم أستهجنها بل قلت فعلا وصدق … لإيماني أن الشاعر يكتب مشاعره لحظية أو استرجاعية وليس صاحب صنعة يحيك القصيدة بمقاييس محددة ولنعرف في سيرته عما يدور في أفكاره أكثر قرأت ماكان من الحوار وضمنته حكايته إذ أجاب الدنقلي حين سأل عن مزيده وهل دوَّن عصارته في ديوانيه الأول و الثاني ثم دخل في التكرار .. قال بحنكة الصادق مع مشاعره في شعره : طرحت سؤالًا ذات مرة وهو .. لماذا لا يعتزل الأديب أو المبدع؟ أصدرت أربعة دواوين واكتفيت فأنا لست موظفًا عند المحكية ولا الشعب .. لأطالب بالاستمرار أو التوقف أو التجديد، ثم إن أي مشروع ثقافي حداثوي لايحتمل الكذب، لذا أرى وجوب التوقف إذا أحسست بضرورة ذلك .
رؤاه عن النص .. ليس دينًا سماويًّا، وجدت في محطة عمرية ما أنني قادر على إيصال ما بداخلي من خلاله، ولو تمكنت من تلقف رؤيا أخرى لفعلت .
والدنقلي يرى الصحراء في اللغة الشعرية رؤيا مختلفة ويلقبها بالفيلسوف .. فيقول : خروجي من الصحراء جاء لرغبتي في رؤيتها عن بعد ، عشت داخلها بالقدر الذي جعلني ألقبها بالفيلسوف ، وربما ازدادت معرفتي بها في مقاربتها مع البحر، كلاهما أعبر منه للآخر، البحر ينقلني للصحراء والعكس.
وعن كونه شاعر ضمن مجموعة شعراء يكتبون المحكية دائما هم في جمعة قال : رغم اختلاف نصوصنا في التقنية اللغوية وكذا خلفياتنا الجغرافية نحن شعراء المحكية وجدنا أنفسنا ندون ذات الرؤيا ، لكننا ننصهر في بوتقة المحكية، التي عبرت عن لغة الليبيين جميعًا لذلك تحول هذا القوس إلى ظاهرة، ولو حلق كل منا وحده لما تحقق لنا هذا النجاح.
وعن من كتبوا النص المحكي لكنهم لم يستمروا.. يرى أن الأمر متعلق بمسألة القضية أو الهاجس، فهناك من مجايلينا من كتاب المحكية كالشاعرة بدرية الأشهب ومحمد التميمي، أحمد جلنقه، وأسماء أخرى لم تعلن عن نفسها، كمحيى الدين المحجوب، وجلال عثمان وغيرهما، هؤلاء دونت إسهامات لهم، لكنها لم تمثل لهم مشروعًا ونستطيع القول إن المحكية أصبحت مدرسة فالقصيدة المحكية وضعت أقدامها بثبات وكتب عنها النقاد وبلغت من مسيرتها الزمنية ربع قرن، وتكاد تصبح من التراث.
وهكذا يرى الدنقلي شاعر المحكية والروايات المسرحية صاحب المشهديات المميزة في كلتيهما فنتوقف عند مفهومه للأمر : المحكية بدأت كبيرة ، بشباب لهم إدراك عميق بالأجناس الأدبية وفهم ثقافي واسع، يكتبون النثر والفصيح والتفعيلة ، واختاروا الاتجاه لهذا اللون لاعتبارات ليست أدبية كما ذكرت، منها الحاجة لفهم عصري بشكل آخر، وربما لكونها أكبر من قدراتنا ومثلت لنا مفاجأة باعتبارها فورة شعرية تنهض على ركام كبيرمن الشعرالشعبي له امتداداته وأنساقه الثقافية المتجذرة في الذاكرة، إذ كيف تستطيع القفز على هذا الكيان الذي لازال ممتلكًا ناصية القافية منذ سيدي قنانة في القرن الثامن عشر وحتى هذه اللحظة، والسبب الآخر صعوبتها الناتج من تعدد أصواتها الممثلة للفسيفساء الليبية، التي دشنها النص التأسيسي «أبصر كيف» الذي أقول فيه: «نريد لوغة بلا لوغة بلاصوت»، وكذا هي معنية بإيصال رسالتها إلى البلدان الأخرى، وهو تحدٍ يفرض عليها لغة معينة وأسلوبًا خاصًا يشبه السهل الممتنع، لذلك الشباب عندما يقرؤون النص يستسهلونه، والعكس إذا ما أرادوا كتابته،علاوة على تعليل يربطنا بقراءاتهم وتأثير الإعلام عليهم.
ويجددوا في الشعر الشعبي والفصيح عبر تلوينات جمالية محفزة على التفكير والسؤال وصور مباغتة ولغة صافية لا تشبه إلا نفسها، ليدخلوا ويدشنوا بهذا النمط المستحدث من القول زمنا جديدا من الحداثة الشعرية المتأصلة في الجذور والهوية والمنفتحة على واقع العصر والقيم الإنسانية في آن.
أنا أتفق مع النقاد في كون النص الحداثوي هو قصيدة الصورة، والمعنى المشهد الذي يتضمن مجموعة مركبة من الصور تتحرك مع بعضها البعض، وبأصوات متعددة، ومن ضمنها المتلقي الذي يتكلم أحيانًا، مثلًا أقول في نص وهو أسلوب موجود في الرواية، في نص آخر أيضًا «قلتي ألو قتلك نعم» وهكذا فالمشهدية هي البنية الطابعة في الشكل العام للنص، بينما في القصيدة الشعبية وحتى في شعر امرؤ القيس وعمرو بن ربيعة عبارة عن تقرير يكاد يكون مباشرًا من وجهة نظر الراوي أو الشاعر.
_ عن الأنثى وصفا أم تهويما روحيا عقليا في قصائده يقول الدنقلي : أنا أتحفظ على كلمة وصف وهي تهمة أتبرأ منها، ووجودي داخلي في العمق لا السطح، ويجب الإشارة إلى أن الحياة برمتها أنثى، كما أن كل الأشياء المانحة مؤنثة، فالوطن اسمه بلاد، لذلك لا أتكلم عن المرأة في صورتها البشرية بل في رمزيتها كمصدر للخصوبة، مثل الأرض، لدرجة أنني لا أطالبها بالرد، ففي قصائدي أخاطب الوطن في صورة امرأة كما في ديوان «أبصر كيف» وأنا هنا أخاطب الوطن.:
شوفي صوابع يدك /
هذا أنا وأنت
وهذيم هم جيرانا سكان ها الوطن الكبير /
شوفي لراحة يدك /
هذي سما لسحاب مطير /
كل الحكايا أن الوطن محفور في طياتها ……
_ رؤية الدنقلي حول الاختلاف بين المحكي والشعبي فقد يحكم الناس والنقاد خاصة .. أن الشعر المحكي يذهب إلى العموميات ويهمش التفاصيل بعكس الشعرالشعبي وهو يبلور هذا التفكير في أسطر فيقول : الشعراء القدامى في العمودي والشعبي يصفون المرأة بشكل تشريحي، إذ ما علاقتك بشعر المرأة وحجم عينيها وتضاريس جسدها، علاقتك يجب أن تتجه بتأثيرها عليك بعكس المحكي الذي يلجأ لملامسة الإحساس بالتهويم والإشارة، ولا يستخدم الجسد إلا كبوابة للدخول إلى فضاء الإيحاء، ذلك فإن الحياة لست لغة كلام فقط، بل مجموعة رموز تتداخل فيها الإيماءة والإحساس، وهو مضمون صراعي في الشعرالمحكي من خلال سؤال جوهري، كيف أقول القصيدة في كلمة واحدة .
_ التصور المستقبلي للقصيدة المحكية موجود عند الجيل القادم، بل أكاد أطلب منهم أن يقتلوني فيهم ، أو يعدموننا شعريًّا نحن شعراء المحكية لكي يكتبوا نصهم المختلف .
_ ختاما في رحلة شائقة ممتعة نرى بعين أخرى المشاعر المتبادلة بين الدنقلي وقصيدة المحكية إذ يرى أن كثيرين حاولوا تعريف الشعر وتاهوا الشاعر الليبي يعترف أن الشعر رقصته الأبدية التي أدمنها إلى درجة أنه يدوخ لو تخلى عنها.
_ متأثرا ببيئته الأولى التي كان فيها الشعر خبزا يوميا لا غنى عنه، وتجربة أبيه الشعرية الذي كان يطلب منه تدوين قصائده التي يكتبها بالفطرة، والذي ردد معه صباه وطفولته على أنغام أوزان الشعر الشعبي وعلى ترتيل القرآن .
_ استفاد محمد علي الدنقلي أيضا من تجربته الطويلة مع المسرح تمثيلا وإخراجا .. ومن الموسيقى ومحاولاته الكثيرة في القصيدة العمودية والنثر والقصيدة الشعبية ، استطاع الشاعرأن يؤسس لنفسه مسارا إبداعيا متميزا وفريدا.
وأختم عطر الكلام في سيرة محمد الدنقلي بالتحدث للمتلقي .. عن خصائص ومميزات ديوانه الجديد “فيك شيء” فيقول محمد الدنقلي “عندما فكرت في جمع ونشر هذا الديوان الذي تأخر كثيرا لأسباب عديدة ليس محل ذكرها هنا، لم يكن في ذهني ما يمكن أن أنظر إليه كمميزات أو خصائص . كل ما هناك هو أنني كنت أريد أن أوجه من خلاله رسالة بسيطة ، تكمن في اعتقادي أن الكتابة في الحب وعن الحب هي الكتابة الشاملة لكل ما هو إنساني، من حيث الزمان، والمكان، والحاضر، والمستقبل وأيضا الأفكار، والرؤى، دون الخوض في مسائل التوجه والإرشاد المباشر في مناحي الحياة. فالحب هو وحده المفتاح لكل الأبواب”.
انسوا الساعه كم ..
أكيد الوقت مازال ..
اكيد الوقت ماتم .. هي نرجعوا للصفر
هي انتناسوا العمر ..
ونجروا ورا خيباتنا وكبواتنا
تحرير – عفاف عبد المحسن