الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2024-11-24

11:20 مساءً

أهم اللأخبار

2024-11-24 11:20 مساءً

الدستور.. من يوسف باشا إلى فبراير

الدستور.. من يوسف باشا إلى فبراير عبدالحميد التليسي

د. عبد الحميد التليسي
في الوقت الذي كان فيه محمد على يبني مصر الحديثة جيشًا و صناعة و تعليمًا , كان يوسف باشا القره مانلي غارقًا في اشباع شهواته التي لا تشبع ،و كان مثار سخرية وتنذر من قبل قناصل العالم الحديث , و مثار  رعب و ظلم و استبداد لأبناء الشعب الليبي.
و في منتصف القرن التاسع عشر و حينما استشرى الفساد و أخذ هذا العربيد في الترنح ليفسح المجال أمام الفوضى و الحروب الأهلية في البلاد , توجه من يمكن أن يُسمى وزير خارجيته , حسونه الدغيس , إلى لندن و كان من ضمن نشاطاته هناك أن التقى بالفيلسوف و الخبير القانوني و الدستوري جيرمي بنتهام (Jermy  Bentham )  ).

اقترح هذا الخبير على الدغيس أن يقوم يوسف باشا بخطوة تنقذ البلاد من أزمة مُحققة و ذلك بأن يعلن عن عزمه التنحي عن السلطة و أن يؤسس لدولة مدنية حديثة تقوم على أساس تحديد حقوق وواجبات الحاكم و المحكوم ، و أن يخرج الباشا للناس ومن على منبر الجامع  يُعلن ندمه عما اقترف و يتبنى للبلاد دستورا ينظم حياتهم.
 

رجع الدغيس إلى طرابلس ولم يبلغ الباشا بما سمع من الخبير الإنجليزي و نصيحته له و ذلك لعلمه بطبيعة نظام الحكم في طرابلس و معرفته الجيدة بعقلية الباشا و خوفه من أن يُقطع لسانه.
ضاعت الفرصة و كان البديل اشتعال الحروب الأهلية بين الزعامات القبيلة و الجهوية إلى أن تدخل العثمانيون و أعادوا ليبيا إلى بيت الطاعة ، امبراطورية الرجل المريض.
 

في النصف الثاني من القرن العشرين و بتدخل وضغط من الأمم المتحدة توصل الليبيون إلى دستور ينظم حياتهم، دام ذلك 18 عامًا ، بدأ الليبيون تعلم مبادئ النظم الحديثة للحكم و التعرف على حقوقهم و واجباتهم.
 في سنة 1969 قام الضباط الأحرار بقيادة القذافي بالإطاحة بنظام الحكم الملكي و ألغوا الدستور ،و مؤسسات الدولة التشريعية، و حاول قليل من المثقفين حث الحكام الجدد على تبني دستورًا للبلاد فكان الرد أن ليبيا بلد مسلم و خير دستور هو القرآن!

حيلة انطلت على البعض من ذوي العواطف الدينية ولكن هناك من استمر في الجدل دون جدوى، فعاد الليبيون إلى أسلوب يوسف باشا في الحكم.
في السنين الأخيرة للنظام السابق وتحت ضغط منظمات حقوق الانسان العالمية والعولمة وتدخل الأمم المتحدة والعالم في شؤون الدول حاول النظام أن يُدندن بإمكانية كتابة دستور للبلاد وشكل لجنة لذلك، ولم تنته إلى شيء لمعرفة أعضاءها بطبيعة نظام الحكم ومعرفة طبيعة العقيد (الباشا) فتصرفوا كما تصرف الدعيس.           

انهار النظام في سنة 2011 بنفس الطريقة تقريبًا التي انهارت بها أسرة القره مانلي، و لم يترك لنا دستورا.
و جاءت فبراير و لم تحي الدستور الوحيد لليبيا و لم تكتب دستورا جديدا، شكلت لجنة كلجنة القذافي لم ولن تصل إلى شيء.
أفقر دول العالم و أكثرها تخلفًا تعلمت قدرًا من دروس التاريخ و دخلت العالم الحديث, أما نحن فلم نتعلم الدروس التي كانت تقدم لنا و دفعنا ثمن جهلنا دماء و أرواح و دمار للبلاد ما زلنا نتخبط فيه و كأن الزمن توقف في منتصف القرن التاسع عشر. 

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة