د. علي عبيد
عظمة الإسلام ليست خافية على أحد بما في ذلك أعداء الإسلام أنفسهم، فمجرد انتشاره على رقعة جغرافية هائلة تمتد من المحيط إلى المحيط، والتاريخ المبهر الذي بدأ بإسقاط أكبر امبراطوريتين في التاريخ في زمن قياسي، وولاء خمس سكان الأرض له كاف للإشارة إلى هذه العظمة.
لم يعد أحد يتجرأ على القول أن الإسلام مجرد حركة إصلاح اجتماعية صنعها حكيم أسمه محمد في سالف الأزمنة مثلما فعل كونفوشيوس أو بوذا.
المفارقة أن عظمة الإسلام وسموه الحضاري لا يشعر بها المسلمون أنفسهم، لأنهم تعودوا على ترديد العبارات الدينية ترديدا آليا حتى فقدت معانيها، وفقدوا هم القدرة على الإحاطة بهذه العظمة وأسبابها ونتائجها، هم يسلكون نفس المسلك عندما يقيمون شعائرهم الدينية التي تحولت إلى طقوس بلا معاني.
عظمة الإسلام نتجت عن منهجه وتعاليمه التي تفوقت على منهج أي منظومة اجتماعية عرفها الانسان حتى الآن وأسس هذه العظمة هي:
• الإسلام دين البساطة والفطرة الإنسانية السوية، فكل ما جاء به القرآن هو التأكيد على ما يحمله ضمير الانسان السوي من محبة الخير لبني البشر، والسعي الجماعي لتحقيق سعادتهم في الدنيا قبل الآخرة، والادراك التام لوحدانية خالق الكون وعظمته، حتى أن الذين يحملون ضمائر حية اهتدوا إلى روح الإسلام قبل أن تصلهم رسالة الإسلام.
• المساواة التامة بين خلق الله من البشر؛ فلا مفاضلة بينهم حسب العرق، ولا اللون، ولا الجنس، ولا المقام، ولا أي صفة أخرى. الفرق الوحيد هو مقدار العمل الصالح الذي يقوم به كل منهم، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. في الإسلام ليس هناك شعب الله المختار ولا شعب الله المنبوذ.
• الإسلام مفتاحه ومدخله الحقيقي هو السلوك والمعاملة الحسنة، والكلمة الطيبة، والمودة والتراحم والتكافل، المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد.
السلام المجتمعي الذي يدعو إليه الإسلام عبر التركيز على هذه السجايا قد لا يقدر الكثيرون قيمته إلا بعد أن يعرفوا أنه كان ولايزال الهدف والموضوع لكل حركات الإصلاح الاجتماعي عبر التاريخ.
• العبادات في الإسلام ليست ضربًا من الطلاسم والدروشة التي نراها في معظم الأديان الأخرى بما فيها الأديان السماوية، فكل العبادات في الإسلام وراءها حكمة، وهي ليست هدفا لذاتها فالله سبحانه وتعالى لا يضره أن يكفر البشر ولا يفيده أن يؤمنوا.
العبادات عبارة عن تهذيب وتدريب على السلوك الحسن؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة أداة للتكافل الاجتماعي، والصوم ترويض للنفس، وحتى ذكر الشهادة هي لحظة تذكر وتفكر في مدبر الكون العظيم.
• الإسلام دين المسئولية المباشرة، فليس للإنسان إلا ما سعى، ولا أحد يحاسب عن أحد فيما قدم من خير أو شر. والعلاقة التي تربط الانسان بخالقه علاقة روحية وثيقة ليس فيها وسيط، أو منسق أو مدير علاقات عامة.
• النوايا في الإسلام قبل الأفعال، والجوهر قبل المظهر، إنما الأعمال بالنيات، فلا يجدي شيئا أن تبدي ما تبدي من مظاهر الورع والتقوى، وطويتك غير ما يقوله مظهرك، لأن الله عالم الغيب وما تخفي الصدور على اطلاع تام على نواياك.
• اعمال العقل والتدبر والتفكر في كل ما يحيط بالإنسان من مخلوقات وموجودات، وهو ما أشارت إليه عشرات الآيات في القرآن الكريم في تعابير أولي الألباب، وقوم يعقلون، ونبهت إلى أن الذين يعلمون لا يستوون مع الذين لا يعلمون، والعلم هنا هو العلم المطلق وليس المقيد.
ولعل هذه السجية هي التي ميزت الإسلام بقوة عن بقية الأديان الوضعي منها والسماوي، وأثارت إعجاب الباحثين عن الحقيقة وفضولهم قديما وحديثا.
ورغم ما ذكرناه من أسس عظمة الإسلام على سبيل التوضيح وليس الحصر، يقبع العالم الإسلامي مركونا في العربة الأخيرة لقطار العالم الثالث.
مليار ونصف من البشر لا وزن لهم في عالم اليوم، ولا يساهمون في الحضارة الحديثة إلا بصفتهم قوة استهلاكية غير منظمة.