يعاني المهاجرون في ليبيا من ويلات تتكشف يوميا في تقارير المؤسسات الدولية، والمنظمات الحقوقية، بينها مؤسسة بيكسولوجي للسلام، والتنمية، وحقوق الإنسان التي رصدت في تقرير لها واقع المهاجرين في ليبيا، والصعوبات، والتحديات التي يواجهونها.
وأكدت المؤسسة أن ليبيا، بحكم موقعها الجغرافي القريب من السواحل الإيطالية، تعد نقطة عبور رئيسة للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يسعون للوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، في رحلة محفوفة بالمخاطر، غالبًا ما تُزهق خلالها أرواح آلاف الأشخاص خلال رحلتهم منذ دخول ليبيا، حيث يتعرض معظمهم لاستغلال المهربين، وعصابات الإتجار بالبشر، حتى وصولهم إلى السواحل، حيث ينطلقوا في القوارب المتهالكة إلى شواطئ أوروبا.
عصابات التهريب
وأكد التقرير أنه في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي، والانفلات الأمني التي تشهدها ليبيا، تنشط عصابات تهريب البشر، وتجار الرقيق، بالإضافة إلى العصابات الإجرامية التي تستغل هذه الفئة الضعيفة من المهاجرين، فتجبرهم على العمل بالسخرة، أي: دون مقابل، أو تحتجزهم مقابل فدية.
وبحسب مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، تم تسجيل 965 حالة وفاة، واختفاء في ليبيا، في عام 2024، وقع أكثر من 22% منها على المسارات البرية. وهذا يوضح قدر المخاطر التي غالبا ما يتم التغاضي عنها، والتي يواجهها المهاجرون على المسارات البرية، حيث لا يتم الإبلاغ عن الوفيات بقدر كاف.
وتنشط في ليبيا عصابات متخصصة في تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا، ويدير أفرادها أنشطتهم بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية في المدن الغربية، كصبراتة، وزوارة، والزاوية، والقرة بوللي، وكذلك بمنطقة الجنوب، ويجنون أمولاً طائلة من هذا النشاط.
أشكال الموت
وتتعدد أشكال الموت التي تواجه المهاجرين فقبل الوصول إلى السواحل الليبية، وقوارب الموت المتهالكة، يمر المهاجرون بمراحل قاسية، من الاستغلال الوحشي على أيدي عصابات الاتجار بالبشر، وقد يلقون حتفهم خلال هذه المراحل، ويُدفنون في الصحراء قبل حتى أن تطأ أقدامهم قوارب الموت.
وتعد مهمة حصر أماكن مراكز الاحتجاز الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين في ليبيا، مهمة شديدة التعقيد، وذلك بسبب انتشار التشكيلات المسلحة التي تعتمد على المهاجرين كمصدر للدخل، أو للعمالة قبل السماح لهم بالخروج، فضلا عن أن الانقسام والنزاعات في ليبيا جعل قضية احتجاز المهاجرين، واستغلالهم في ذيل قائمة اهتمامات السلطات، ناهيك عن أن توالي الحكومات المتعاقبة أدى إلى صعوبة تحديد المسؤول عن مراكز الاحتجاز، فالحكومة تكلف وزارة الداخلية، التي توكل بدورها الأمر لجهاز مستقل.
انتهاكات
ويعاني المهاجرون غير النظاميين في ليبيا، وطالبي اللجوء انتهاكات وحشية لحقوق الإنسان، تشمل: الاحتجاز التعسفي المطول، والحرمان غير القانوني من الحرية، والتعذيب، والمعاملة المهينة، والقتل الوحشي، والاغتصاب، والعنف الجنسي المروع، والاستغلال القاسي في العمل القسري. ففى مراكز الاحتجاز (الإيواء) يتم إجبارهم على العمل القسري، دون أجر ، ومن يرفض نتيجة الإعياء، والمرض يتعرض للتعذيب، والعنف الجسدي أو الجنسي، حتى يجبر المهاجرون في النهاية على البحث عن أي مساعدة للعودة لبلادهم؛ لمواجهة نفس الظروف التي هربوا منها في المقام الأول، من نزاعات، وفقر، وبطالة، ومناخ قاسٍ، كما هو الحال في معظم دول جنوب الصحراء.
وأما الذين يفلتون من مراكز الاحتجاز، يتم تجميعهم في أماكن للتجمع في الغالب عبارة عن حظائر، أو مخازن، أو مزارع، أو بيوت مهجورة. وخلال العام الماضي أعلنت السلطات الليبية عدة مرات عن العثور على مخازن سرية تضم مهاجرين غير نظاميين، وضبط تشكيلات عصابية متورطة في خطف العمالة؛ لاستغلالهم، وابتزاز أسرهم ماليا، قبل السماح لهم بالمغادرة، أو الالتحاق بقوارب المهاجرين إلى أوروبا.
أرقام
ووفقا لمشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، تم الإبلاغ عن مقتل 434 شخصا، وفقدان 611 قبالة سواحل ليبيا، بين يناير وأغسطس .2024. وكانت أبرز الحوادث فى ليبيا في 2024 في مارس، حيث فقد ما لا يقل عن 60 مهاجرا في البحر المتوسط، بعد إبحارهم من الزاوية في ليبيا بينهم امرأة، وطفل واحد على الأقل، وفي أكتوبر انقلب قارب يحمل 13 مهاجرا مصريًا قبالة سواحل ليبيا، وتوفي جميع من كانوا على متنه، باستثناء شخص واحد . وفى ديسمبر أيضا انقلب قارب يحمل مهاجرين قبالة السواحل الليبية، مما أسفر عن مصرع شخص واحد، وفقدان 22 آخرين، حسبما ذكرت السلطات الليبية. وبحسب “مشروع المهاجرين المفقودين التابع لمنظمة الهجرة الدولية، فإن حصيلة المهاجرين الذين ماتوا غرقا في البحر المتوسط خلال العقد (2014-2023) هو 28,854 شخص، وتظهر البيانات اتجاه تصاعدي منذ عام 2019، مما يدعو للقلق، وتمثل الوفاة بالغرق حوالي 60% من الوفيات أثناء الهجرة.
كما قدرت المنظمة الدولية للهجرة أعداد المهاجرين الذين جرت إعادتهم قسراً إلى ليبيا، بأكثر من 21 ألف مهاجر خلال العام 2024 ، وذلك خلال عمليات اعتراض نفذها خفر السواحل، حيث يتم احتجازهم بعد إعادتهم إلى الشاطئ، في مراكز احتجاز تديرها الحكومة، حيث تسجل انتهاكات خطيرة تشمل: العمل القسري، والضرب، والاغتصاب، والتعذيب، وهي ممارسات تعتبر جرائم ضد الإنسانية، وفقا لمحققين مفوضين من الأمم المتحدة.
هجمات
وقد استنتجت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، أن السلطات الليبية كانت على علم منذ سنوات بالهجمات المستمرة واسعة النطاق، والمنهجية على المهاجرين بما فيها الانتهاكات التي تحدث في البحر، وفى مراكز الاحتجاز وعلى طول طرق الاتجار، والتهريب، وفي مراكز الإتجار، وعلى الرغم من الأدلة الموثوقة على المخاطر الحقيقية للإتجار بالأشخاص، وغيره من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، واصلت السلطات الليبية سياستها المتمثلة في اعتراض المهاجرين، وإعادتهم إلى ليبيا وخلصت البعثة كذلك الى وجود أسباب للاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي، ودوله الأعضاء قدموا إلى حرس السواحل الليبي، وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية – بشكل مباشر أو غير مباشر – دعما نقديا، وتقنيا، ومعدات، مثل: القوارب التي استخدمت لاعتراض المهاجرين، واحتجازهم .
الاتفاقيات الدولية
وصادقت ليبيا على معظم المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية ،أو اللاإنسانية، أو المهينة ،1989، كما صادقت على كل من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين، وأفراد أسرهم، واتفاقية الأمم المتحدة لقمع الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، البروتوكول الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين، والبروتوكول المتعلق بمنع، وقمع، ومعاقبة الاتجار بالأشخاص في 2004. كما إنها صادقت على البروتوكول العربي لمنع، ومكافحة الإتجار بالبشر، وبخاصة النساء، والأطفال، الملحق والمُكَمِّل للاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة، عبر الحدود الوطنية في 2006، وهي مستهدفة بالاستراتيجية العربية لمكافحة الاتجار بالبشر منذ 15 فبراير 2012، وعلى الرغم من ذلك، تعد النصوص التشريعية الليبية قاصرة عن حماية الضحايا الحماية المثلى ، ولم يرد فيها كلمة الاتجار بالبشر صراحة، بل ذكر بعض أشكاله فقط. كذلك فإن الدولة لم يكن لها استراتيجيات واضحة في مكافحة الاتجار بالبشر يتم تنفيذها بحزم على أرض الواقع؛ لحماية الفئات الأكثر هشاشة من طالبي اللجوء، والمهاجرين، وخاصة النساء، والأطفال منهم، بل تتداخل مسؤوليات الأجهزة الأمنية الليبية المتعددة في التعامل مع ملف الهجرة، مما يعيق تحديد المسؤول عن الانتهاكات.
توصيات
وأوصى التقرير السلطات الليبية بوضع استراتيجية واضحة، وشاملة للتعامل مع ملف اللجوء، والهجرة، على أن تنطلق هذه الاستراتيجية من مبادئ حقوق الإنسان، التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتراعي بشكل خاص الفئات الأكثر هشاشة، مثل: الفارين من دول الحروب، والنزاعات.
كما دعا التقرير إلى السماح لمنظمات المجتمع المدني للقيام بدورها في دعم ضحايا الاتجار بالبشر، وطالبي اللجوء، ومراقبة الأوضاع في مراكز الاحتجاز، وتقديم المساعدة اللازمة لهم، وحث التقرير الدول الأوروبية على إعلاء مصلحة الضحايا، وأن تضع في صميم أولوياتها حماية حقوق الإنسان للاجئين القادمين من البحر الأبيض المتوسط، والذين فروا من جحيم الحروب، والنزاعات في بلدانهم، واحترام حقهم في الحياة، والأمان، وعدم إعادتهم قسرًا إلى ذلك الجحيم، مهما كانت دوافع المصلحة الوطنية.
الانتهاكات والمخاطر التي يتعرض لها المهاجرون في ليبيا، أصبحت مشهدا مألوفا في البلاد، خاصة في مدن الغرب الليبي، التي هي مقصد لغالبية المهاجرين، كمحطة للانطلاق صوب أوروبا، وسط عجز الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية عن منع دخولهم للبلاد، أو حمايتهم.
